الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ: “وَإِذَا طَلَّقْتُمْ“، أَيُّهَا الرِّجَالُ نِسَاءَكُمْ “فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ“، يَعْنِي: مِيقَاتَهُنَّ الَّذِي وَقَّتَهُ لَهُنَّ، مِنِ انْقِضَاءِ الْأَقْرَاءِ الثَّلَاثَةِ، إِنْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِ الْقُرْءِ، وَانْقِضَاءِ الْأَشْهُرِ إِنْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِ الشُّهُورِ “فَأَمْسِكُوهُنَّ“، يَقُولُ: فَرَاجِعُوهُنَّ إِنْ أَرَدْتُمْ رَجْعَتَهُنَّ فِي الطَّلْقَةِ الَّتِي فِيهَا رَجْعَةٌ: وَذَلِكَ إِمَّا فِي التَّطْلِيقَةِ الْوَاحِدَةِ أَوِ التَّطْلِيقَتَيْنِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}. وَأَمَّا قَوْلُهُ: “بِمَعْرُوفٍ“، فَإِنَّهُ عَنَى: بِمَا أَذِنَ بِهِ مِنَ الرَّجْعَةِ، مِنَ الإِشْهَادِ عَلَى الرَّجْعَةِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، دُونَ الرَّجْعَةِ بِالْوَطْءِ وَالْجِمَاعِ. لِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ بَعْدَ الرَّجْعَةِ، وَعَلَى الصُّحْبَةِ مَعَ ذَلِكَ وَالْعِشْرَةِ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَبَيَّنَهُ لَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ “أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ“، يَقُولُ: أَوْ خَلُّوهُنَّ يَقْضِينَ تَمَامَ عِدَّتِهِنَّ وَيَنْقَضِي بَقِيَّةُ أَجَلِهِنَّ الَّذِي أَجَّلْتُهُ لَهُنَّ لِعِدَدِهِنَّ، بِمَعْرُوفٍ. يَقُولُ: بِإِيفَائِهِنَّ تَمَامَ حُقُوقِهِنَّ عَلَيْكُمْ، عَلَى مَا أَلْزَمْتُكُمْ لَهُنَّ مِنْ مَهْرٍ وَمُتْعَةٍ وَنَفَقَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ حُقُوقِهِنَّ قِبَلَكُمْ {وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} يَقُولُ: وَلَا تُرَاجِعُوهُنَّ، إِنْ رَاجَعْتُمُوهُنَّ فِي عِدَدِهِنَّ، مُضَارَّةً لَهُنَّ، لِتُطَوِّلُوا عَلَيْهِنَّ مُدَّةَ انْقِضَاءِ عِدَدِهِنَّ، أَوْ لِتَأْخُذُوا مِنْهُنَّ بَعْضَ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ بِطَلَبِهِنَّ الْخُلْعَ مِنْكُمْ، لِمُضَارَّتِكُمْ إِيَّاهُنَّ، بِإِمْسَاكِكُمْ إِيَّاهُنَّ، ومُرَاجَعَتِكُمُوهُنَّ ضِرَارًا وَاعْتِدَاءً. وَقَوْلُهُ: “لِتَعْتَدُوا“، يَقُولُ: لِتَظْلِمُوهُنَّ بِمُجَاوَزَتِكُمْ فِي أَمْرِهِنَّ حُدُودِي الَّتِي بَيَّنْتُهَا لَكُمْ. وَبِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ: {وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا}، قَالَ: يُطَلِّقُهَا، حَتَّى إِذَا كَادَتْ تَنْقَضِي رَاجَعَهَا، ثُمَّ يُطَلِّقُهَا، فَيَدَعُهَا، حَتَّى إِذَا كَادَتْ تَنْقَضِي عِدَّتُهَا رَاجَعَهَا، وَلَا يُرِيدُ إِمْسَاكَهَا: فَذَلِكَ الَّذِي يُضَارُّ وَيَتَّخِذُ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوً. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ قَالَ: سُئِلَ الْحَسَنُ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا}، قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يُطَلِّقُ الْمَرْأَةَ ثُمَّ يُرَاجِعُهَا، ثُمَّ يُطَلِّقُهَا ثُمَّ يُرَاجِعُهَا، يُضَارُّهَا، فَنَهَاهُمُ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ}، قَالَ: نَهَى اللَّهُ عَنِ الضِّرَارِ “ضِرَارًا، أَنْ يُطَلِّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ ثُمَّ يُرَاجِعُهَا عِنْدَ آخَرِ يَوْمٍ يَبْقَى مِنَ الْأَجَلِ، حَتَّى يَفِيَ لَهَا تِسْعَةَ أَشْهُرٍ، لِيُضَارَّهَا بِهِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ بِنَحْوِهِ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: نَهَى عَنِ الضِّرَارِ، وَالضِّرَارُ فِي الطَّلَاقِ أَنْ يُطَلِّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ ثُمَّ يُرَاجِعُهَا، وَسَائِرُ الْحَدِيثِ مِثْلُ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا}، كَانَ الرَّجُلُ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ ثُمَّ يُرَاجِعُهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، ثُمَّ يُطَلِّقُهَا. يَفْعَلُ ذَلِكَ يُضَارُّهَا وَيَعْضِلُهَا، فَأَنْـزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ فِي قَوْلِهِ: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا}، قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ يَدَعُهَا، حَتَّى إِذَا مَا تَكَادُ تَخْلُو عِدَّتُهَا رَاجَعَهَا، ثُمَّ يُطَلِّقُهَا، حَتَّى إِذَا مَا كَادَ تَخْلُو عِدَّتُهَا رَاجَعَهَا. وَلَا حَاجَةَ لَهُ فِيهَا، إِنَّمَا يُرِيدُ أَنْ يُضَارَّهَا بِذَلِكَ. فَنَهَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ وَتَقَدَّمَ فِيهِ، وَقَالَ: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ}. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أبُو صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا}، فَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ وَبَلَغَتْ أَجَلَهَا، فَلْيُرَاجِعْهَا بِمَعْرُوفٍ أَوْ لِيُسَرِّحْهَا بِإِحْسَانٍ، وَلَا يَحِلُ لَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا ضِرَارًا، وَلَيْسَتْ لَهُ فِيهَا رَغْبَةٌ، إِلَّا أَنْ يُضَارَّهَ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: {وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا}، قَالَ: هُوَ فِي الرَّجُلِ يَحْلِفُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ، فَإِذَا بَقِيَ مِنْ عِدَّتِهَا شَيْءٌ رَاجَعَهَا، يُضَارُّهَا بِذَلِكَ وَيُطُوِّلُ عَلَيْهَا، فَنَهَاهُمُ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ: أَنَّ رَجُلًا كَانَ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ ثُمَّ يُرَاجِعُهَا، وَلَا حَاجَةَ لَهُ بِهَا وَلَا يُرِيدُ إِمْسَاكَهَا، كَيْمَا يُطَوِّلُ عَلَيْهَا بِذَلِكَ الْعِدَّةَ لِيُضَارَّهَا، فَأَنْـزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ}، يُعَظِّمُ ذَلِكَ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ الْفَضْلَ بْنَ خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْبَاهِلِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا}، هُوَ الرَّجُلُ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ وَاحِدَةً ثُمَّ يُرَاجِعُهَا، ثُمَّ يُطَلِّقُهَا ثُمَّ يُرَاجِعُهَا، ثُمَّ يُطَلِّقُهَا، لِيُضَارَّهَا بِذَلِكَ، لِتَخْتَلِعَ مِنْهُ. حَدَّثَنَا مُوسَى قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا}، قَالَ: نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ يُدْعَى ثَابِتَ بْنَ يَسَارٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ حَتَّى إِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا إِلَّا يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً، رَاجَعَهَا، ثُمَّ طَلَّقَهَا، فَفَعَلَ ذَلِكَ بِهَا حَتَّى مَضَتْ لَهَا تِسْعَةُ أَشْهُرٍ، مُضَارَّةً يُضَارُّهَا، فَأَنْـزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا}. حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الْعَزِيزِ يَسْأَلُ عَنْطَلَاقِ الضِّرَارِ فَقَالَ: يُطَلِّقُ ثُمَّ يُرَاجِعُ، ثُمَّ يُطَلِّقُ ثُمَّ يُرَاجِعُ، فَهَذَا الضِّرَارُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ: {وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا}. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ، عَنْ عَطِيَّةَ: {وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا}، قَالَ: الرَّجُلُ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً، ثُمَّ يَتْرُكُهَا حَتَّى تَحِيضَ ثَلَاثَ حِيَضٍ، ثُمَّ يُرَاجِعُهَا، ثُمَّ يُطَلِّقُهَا تَطْلِيقَةً، ثُمَّ يُمْسِكُ عَنْهَا حَتَّى تَحِيضَ ثَلَاثَ حِيَضٍ، ثُمَّ يُرَاجِعُهَا “لِتَعْتَدُوا“، قَالَ: لَا يُطَاوِلُ عَلَيْهِنَّ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَصْلُ “التَّسْرِيحِ“، مِنْ “سَرَحَ الْقَوْمُ“، وَهُوَ مَا أُطْلِقَ مِنْ نَعَمِهِمْ لِلرَّعْي. يُقَالُ لِلْمَوَاشِي الْمُرْسَلَةِ لِلرَّعْيِ “هَذَا سَرْحُ الْقَوْمِ “ يُرَادُ بِهِ مَوَاشِيهِمُ الْمُرْسَلَةُ لِلرَّعْيِ. وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ} [سُورَةُ النَّحْلِ: 5، 6] يَعْنِي بِقَوْلِهِ: “حِينَ تَسْرَحُونَ“، حِينَ تُرْسِلُونَهَا لِلرَّعْيِ. فَقِيلَ لِلْمَرْأَةِ إِذَا خَلَّاهَا زَوْجُهَا فَأَبَانَهَا مِنْهُ: سَرَّحَهَا، تَمْثِيلًا لِذَلِكَ بـ “تَسْرِيحِ “ الْمُسَرِّحِ مَاشِيَتَهُ لِلرَّعْيِ، وَتَشْبِيهًا بِهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ: وَمَنْ يُرَاجِعُ امْرَأَتَهُ بَعْدَ طَلَاقِهِ إِيَّاهَا فِي الطَّلَاقِ الَّذِي لَهُ فِيهِ عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ ضِرَارًا بِهَا لِيَعْتَدِيَ حَدَّ اللَّهِ فِي أَمْرِهَا، فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ، يَعْنِي: فَأَكْسَبَهَا بِذَلِكَ إِثْمًا، وَأَوْجَبَ لَهَا مِنَ اللَّهِ عُقُوبَةً بِذَلِكَ. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى “الظُّلْمِ “ فِيمَا مَضَى، وَأَنَّهُ وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، وَفِعْلُ مَا لَيْسَ لِلْفَاعِلِ فِعْلُهُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَا تَتَّخِذُوا أَعْلَامَ اللَّهِ وَفُصُولَهُ بَيْنَ حَلَالِهِ وَحَرَامِهِ، وَأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، فِي وَحْيِهِ وَتَنْزِيلِهِ اسْتِهْزَاءً وَلَعِبًا، فَإِنَّهُ قَدْ بَيَّنَ لَكُمْ فِي تَنْزِيلِهِ وَآيِ كِتَابِهِ، مَا لَكُمْ مِنَ الرَّجْعَةِ عَلَى نِسَائِكُمْ، فِي الطَّلَاقِ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ عَلَيْهِنَّ فِيهِ الرَّجْعَةَ، وَمَا لَيْسَ لَكُمْ مِنْهَا، وَمَا الْوَجْهُ الْجَائِزُ لَكُمْ مِنْهَا، وَمَا الَّذِي لَا يَجُوزُ، وَمَا الطَّلَاقُ الَّذِي لَكُمْ عَلَيْهِنَّ فِيهِ الرَّجْعَةُ، وَمَا لَيْسَ لَكُمْ ذَلِكَ فِيهِ، وَكَيْفَ وُجُوُهُ ذَلِكَ، رَحْمَةً مِنْهُ بِكُمْ وَنِعْمَةً مِنْهُ عَلَيْكُمْ، لِيَجْعَلَ بِذَلِكَ لِبَعْضِكُمْ مِنْ مَكْرُوهٍ، إِنْ كَانَ فِيهِ مِنْ صَاحِبِهِ مَا يُؤْذِيهِ الْمَخْرَجَ وَالْمَخْلَصَ بِالطَّلَاقِ وَالْفِرَاقِ، وَجَعَلَ مَا جَعَلَ لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنَ الرَّجْعَةِ سَبِيلًا لَكُمْ إِلَى الْوُصُولِ إِلَى مَا نَازَعَهُ إِلَيْهِ وَدَعَاهُ إِلَيْهِ هَوَاهُ، بَعْدَ فِرَاقِهِ إِيَّاهُنَّ مِنْهُنَّ، لِتُدْرِكُوا بِذَلِكَ قَضَاءَ أَوْطَارِكُمْ مِنْهُنَّ، إِنْعَامًا مِنْهُ بِذَلِكَ عَلَيْكُمْ، لَا لِتَتَّخِذُوا مَا بَيَّنْتُ لَكُمْ مِنْ ذَلِكَ فِي آيِ كِتَابِي وَتَنْزِيلي-تَفَضُّلًا مِنِّي بِبَيَانِهِ عَلَيْكُمْ وَإِنْعَامًا وَرَحْمَةً مِنِّي بِكُمْ- لَعِبًا وَسُخْرِيًّا. وَبِمَعْنَى مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ شَبَّوَيْهِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ وَمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ: أَنَّ الْحَسَنَ حَدَّثَهُمْ: أَنَّ النَّاسَ كَانُوا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُطَلِّقُ الرَّجُلُ أَوْ يُعْتِقُ فَيُقَالُ: مَا صَنَعْتَ؟ فَيَقُولُ: إِنَّمَا كُنْتُ لَاعِبًا! قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ طَلَّقَ لَاعِبًا أَوْ أَعْتَقَ لَاعِبًا فَقَدْ جَازَ عَلَيْه» قَالَ الْحَسَنُ: وَفِيهِ نَزَلَتْ: {وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا}. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ فِي قَوْلِهِ {وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا}، قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ فَيَقُولُ: إِنَّمَا طَلَّقْتُ لَاعِبًا! فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا}. حَدَّثَنَا أبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ يَزِيدُ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، (عَنْ أَبِي مُوسَى: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَضِبَ عَلَى الْأَشْعَرِيِّينَ-فَأَتَاهُ أَبُو مُوسَى فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، غَضِبْتَ عَلَى الْأَشْعَرِيِّينَ! فَقَالَ: يَقُولُ أَحَدُكُمْ: “قَدْ طَلَّقْتُ، قَدْ رَاجَعْتُ “!! لَيْسَ هَذَا طَلَاقُ الْمُسْلِمِينَ، طَلِّقُوا الْمَرْأَةَ فِي قُبُلِ عِدَّتِهَا). حَدَّثَنَا أَبُو زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ شَبَّةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ النَّهْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ-يَعْنِي الدَّالَانِيِّ- عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ الْأَوْدِيُّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (لِمَ يَقُولُ أَحَدُكُمْ لِامْرَأَتِهِ: قَدْ طَلَّقْتُكِ، قَدْ رَاجَعْتُكِ“؟ لَيْسَ هَذَا بِطَلَاقِ الْمُسْلِمِينَ، طَلِّقُوا الْمَرْأَةَ فِي قُبُلِ طُهْرِهَا).
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْـزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ: وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ بِالْإِسْلَامِ، الَّذِي أَنْعَمَ عَلَيْكُمْ بِهِ فَهَدَاكُمْ لَهُ، وَسَائِرَ نِعَمِهِ الَّتِي خَصَّكُمْ بِهَا دُونَ غَيْرِكُمْ مِنْ سَائِرِ خَلْقِهِ، فَاشْكُرُوهُ عَلَى ذَلِكَ بِطَاعَتِهِ فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ وَنَهَاكُمْ عَنْهُ، وَاذْكُرُوا أَيْضًا مَعَ ذَلِكَ مَا أَنْـزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ كِتَابِهِ، وَذَلِكَ: الْقُرْآنُ الَّذِي أَنْـزَلَهُ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاذْكُرُوا ذَلِكَ فَاعْمَلُوا بِهِ، وَاحْفَظُوا حُدُودَهُ فِيهِ وَ“الْحِكْمَةِ“، يَعْنِي: وَمَا أَنْـزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْحِكْمَةِ، وَهِيَ السُّنَنُ الَّتِي عَلَّمَكُمُوهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَنَّهَا لَكُمْ. وَقَدّ ذَكَرْتُ اخْتِلَافَ الْمُخْتَلِفِينَ فِي مَعْنَى “الْحِكْمَةِ “ فِيمَا مَضَى قَبْلُ فِي قَوْلِهِ: {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 129]، فَأَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [231] قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: “يَعِظُكُمْ بِهِ“، يَعِظُكُمْ بِالْكِتَابِ الَّذِي أَنْـزَلَ عَلَيْكُمْ وَالْهَاءُ الَّتِي فِي قَوْلِهِ: “بِهِ“، عَائِدَةٌ عَلَى الْكِتَابِ. “وَاتَّقَوْا اللَّهَ“، يَقُولُ: وَخَافُوا اللَّهَ فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ وَفِيمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فِي كِتَابِهِ الَّذِي أَنْـزَلَهُ عَلَيْكُمْ، وَفِيمَا أَنْـزَلَهُ فَبَيَّنَهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكُمْ أَنْ تُضَيِّعُوهُ وَتَتَعَدَّوْا حُدُودَهُ، فَتَسْتَوْجِبُوا مَا لَا قِبَلَ لَكُمْ بِهِ مِنْ أَلِيمِ عِقَابِهِ وَنَكَالِ عَذَابِهِ. وَقَوْلُهُ: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}، يَقُولُ: وَاعْلَمُوا أَيُّهَا النَّاسُ أَنَّ رَبَّكُمْ الَّذِي حَدَّ لَكُمْ هَذِهِ الْحُدُودَ، وَشَرَعَ لَكُمْ هَذِهِ الشَّرَائِعَ، وَفَرَضَ عَلَيْكُمْ هَذِهِ الْفَرَائِضَ، فِي كِتَابِهِ وَفِي تَنْزِيلِهِ عَلَى رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكُلِّ مَا أَنْتُمْ عَامِلُوهُ- مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، وَحَسَنٍ وَسَيِّئٍ، وَطَاعَةٍ وَمَعْصِيَةٍ، عَالَمٌ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ ظَاهَرِ ذَلِكَ وَخَفِيِّهِ وَسِرِّهِ وَجَهْرِهِ، شَيْءٌ، وَهُوَ مُجَازِيكُمْ بِالْإِحْسَانِ إِحْسَانًا، وَبِالسَّيِّئِ سَيِّئًا، إِلَّا أَنْ يَعْفُوَ وَيَصْفَحَ، فَلَا تَتَعَرَّضُوا لِعِقَابِهِ وَتَظْلِمُوا أَنْفُسَكُمْ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: ذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ كَانَتْ لَهُ أُخْتٌ كَانَ زَوَّجَهَا مِنِ ابْنِ عَمٍّ لَهَا فَطَلَّقَهَا، وَتَرَكَهَا فَلَمْ يُرَاجِعْهَا حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، ثُمَّ خَطَبَهَا مِنْهُ، فَأَبَى أَنْ يُزَوِّجَهَا إِيَّاهُ وَمَنَعَهَا مِنْهُ، وَهِيَ فِيهِ رَاغِبَةٌ. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الرَّجُلِ الَّذِي كَانَ فَعَلَ ذَلِكَ، فَنَزَلَتْ فِيهِ هَذِهِ الْآيَةُ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ الْمُزَنِيَّ“.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: كَانَتْ أُخْتُهُ تَحْتَ رَجُلٍ فَطَلَّقَهَا، ثُمَّ خَلَّا عَنْهَا، حَتَّى إِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا خَطَبَهَا، فَحَمِيَ مَعْقِلٌ مِنْ ذَلِكَ، أَنَفًا، وَقَالَ: خَلَّا عَنْهَا وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْهَا!! فَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، فَأَنْـزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ}. حَدَّثَنَا أبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ دَلْهَمٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ: أَنَّ أُخْتَهُ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا، فَأَرَادَ أَنْ يُرَاجِعَهَا، فَمَنَعَهَا مَعْقِلٌ، فَأَنْـزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} إِلَى آخَرِ الْآيَةِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَخْزُومِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ رَاشِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ قَالَ: كَانَتْ لِي أُخْتٌ تُخْطَبُ وَأَمْنَعُهَا النَّاسَ، حَتَّى خَطَبَ إِلَيَّ ابْنُ عَمٍّ لِي فَأَنْكَحْتُهَا، فَاصْطَحَبَا مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ إِنَّهُ طَلَّقَهَا طَلَاقًا لَهُ رَجْعَةٌ، ثُمَّ تَرَكَهَا حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، ثُمَّ خُطِبَتْ إِلَيَّ، فَأَتَانِي يَخْطُبُهَا مَعَ الْخُطَّابِ، فَقُلْتُ لَهُ: خُطِبَتْ إِلَيَّ فَمَنَعْتُهَا النَّاسَ، فَآثَرْتُكَ بِهَا، ثُمَّ طَلَّقْتَ طَلَاقًا لَكَ فِيهِ رَجْعَةٌ، فَلَمَّا خُطِبَتْ إِلَيَّ آتَيْتَنِي تَخْطُبُهَا مَعَ الْخُطَّابِ! وَاللَّهِ لَا أَنْكِحَكَهَا أَبَدًا! قَالَ: فَفِيَّ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ}، قَالَ: فَكَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي، وَأَنْكَحْتُهَا إِيَّاهُ. حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ}، ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَجُلًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً، ثُمَّ خَلَّا عَنْهَا حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، ثُمَّ قَرَّبَ بَعْدَ ذَلِكَ يَخْطُبُهَا وَالْمَرْأَةُ أُخْتُ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ فَأَنِفَ مِنْ ذَلِكَ مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ، وَقَالَ: خَلَّا عَنْهَا وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا، وَلَوْ شَاءَ رَاجَعَهَا، ثُمَّ يُرِيدُ أَنْ يُرَاجِعَهَا وَقَدْ بَانَتْ مِنْهُ! فَأَبَى عَلَيْهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا إِيَّاهُ. وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ الِلَّهِ، لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، دَعَاهُ فَتَلَاهَا عَلَيْهِ، فَتَرَكَ الْحَمِيَّةَ وَاسْتَقَادَ لِأَمْرِ اللَّهِ. حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ}، إِلَى آخَرِ الْآيَةِ، قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ. قَالَ الْحَسَنُ: حَدَّثَنِي مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِيهِ، قَالَ: زَوَّجْتُ أُخْتًا لِي مِنْ رَجُلٍ فَطَلَّقَهَا، حَتَّى إِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا جَاءَ يَخْطُبُهَا، فَقُلْتُ لَهُ: زَوَّجْتُكَ وَفَرَشْتُكَ أُخْتِي وَأَكْرَمْتُكَ، ثُمَّ طَلَّقْتَهَا، ثُمَّ جِئْتَ تَخْطُبُهَا! لَا تَعُودُ إِلَيْكَ أَبَدًا! قَالَ: وَكَانَ رَجُلَ صِدْقٍ لَا بَأْسَ بِهِ، وَكَانَتِ الْمَرْأَةُ تُحِبُّ أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ}. قَالَ: فَقُلْتُ: الْآنَ أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَزَوَّجَهَا مِنْهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ قَالَ: كَانَتْ أُخْتُ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ تَحْتَ رَجُلٍ فَطَلَّقَهَا، فَخَطَبَ إِلَيْهِ فَمَنَعَهَا أَخُوهَا، فَنَزَلَتْ: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} إِلَى آخَرِ الْآيَةِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلَهُ: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} الْآيَةَ، قَالَ: نَزَلَتْ فِي امْرَأَةٍ مِنْ مُزَيْنَةَ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا وَأُبِينَتْ مِنْهُ، فَنَكَحَهَا آخَرُ، فَعَضَلَهَا أَخُوهَا مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ، يُضَارُّهَا خِيفَةَ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى زَوْجِهَا الْأَوَّلِ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: نَزَلَتْ فِي مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أُخْتُهُجُمَلُ ابْنَةُ يَسَارٍ، كَانَتْ تَحْتَ أَبِي الْبَدَّاحِ، طَلَّقَهَا، فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا، فَخَطَبَهَا، فَعَضَلَهَا مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ}، نَزَلَتْ فِي امْرَأَةٍ مِنْ مُزَيْنَةَ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا، فَعَضَلَهَا أَخُوهَا أَنْ تَرْجِعَ إِلَى زَوْجِهَا الْأَوَّلِ وَهُوَ مَعْقِلُُ بْنُ يَسَارٍ أَخُوهَ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ فِيهِ: “وَهُوَ مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ“. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ: أَنْفَاطِمَةَ بِنْتِيَسَارٍ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا، ثُمَّ بَدَا لَهُ فَخَطَبَهَا، فَأَبَى مَعْقِلٌ، فَقَالَ: زَوَّجْنَاكَ فَطَلَّقْتَهَا وَفَعَلْتَ! فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ}. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ}، قَالَ: نَزَلَتْ فِي مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ، كَانَتْ أُخْتُهُ تَحْتَ رَجُلٍ فَطَلَّقَهَا، حَتَّى إِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا جَاءَ فَخَطَبَهَا، فَعَضَلَهَا مَعْقِلٌ فَأَبَى أَنَّ يَنْكِحَهَا إِيَّاهُ، فَنَزَلَتْ فِيهَا هَذِهِ الْآيَةُ، يَعْنِي بِهِ الْأَوْلِيَاءَ، يَقُولُ: {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ}. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: كَانَتْ أُخْتِي عِنْدَ رَجُلٍ فَطَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً بَائِنَةً، فَخَطَبَهَا، فَأَبَيْتُ أَنْ أُزَوِّجَهَا مِنْهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ}، الْآيَةَ. وَقَالَ آخَرُونَ: كَانَ الرَّجُلُ: “جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيَّ“.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ}، قَالَ: نَزَلَتْ فِي جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ، وَكَانَتْ لَهُ ابْنَةُ عَمٍّ فَطَلَّقَهَا زَوْجُهَا تَطْلِيقَةً، فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا، ثُمَّ رَجَعَ يُرِيدُ رَجْعَتَهَا. فَأَمَّا جَابِرٌ فَقَالَ: طَلَّقْتَ ابْنَةَ عَمِّنَا، ثُمَّ تُرِيدُ أَنْ تَنْكِحَهَا الثَّانِيَةَ! وَكَانَتِ الْمَرْأَةُ تُرِيدُ زَوْجَهَا، قَدْ رَاضَتْهُ. فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. وَقَالَ آخَرُونَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ دَلَالَةً عَلَى نَهْيِ الرَّجُلِ مُضَارَّةَ وَلِيَّتِهِ مِنَ النِّسَاءِ، يَعْضُلُهَا عَنِ النِّكَاحِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ: {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} فَهَذَا فِي الرَّجُلِ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً أَوْ تَطْلِيقَتَيْنِ، فَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا، ثُمَّ يَبْدُو لَهُ فِي تَزْوِيجِهَا وَأَنْ يُرَاجِعَهَا، وَتُرِيدُ الْمَرْأَةُ فَيَمْنَعُهَا أَوْلِيَاؤُهَا مِنْ ذَلِكَ، فَنَهَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنْ يَمْنَعُوهَا. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ}، كَانَ الرَّجُلُ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ تَبِينُ مِنْهُ وَيَنْقَضِي أَجَلُهَا، وَيُرِيدُ أَنْ يُرَاجِعَهَا وَتَرْضَى بِذَلِكَ، فَيَأْبَى أَهْلُهَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ}. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ فِي قَوْلِهِ: {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ ثُمَّ يَبْدُو لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، فَيَأْبَى أَوْلِيَاءُ الْمَرْأَةِ أَنْ يُزَوِّجُوهَا، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ}. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ أَصْحَابِهِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ}، قَالَ: الْمَرْأَةُ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ فَيُطَلِّقُهَا، ثُمَّ يُرِيدُ أَنْ يَعُودَ إِلَيْهَا، فَلَا يَعْضُلُهَا وَلِيُّهَا أَنْ يَنْكِحَهَا إِيَّاهُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} الْآيَةَ، فَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ وَهُوَ وَلِيُّهَا، فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْضُلَهَا حَتَّى يَرِثَهَا، وَيَمْنَعَهَا أَنْ تَسْتَعِفَّ بِزَوْجٍ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ}، هُوَ الرَّجُلُ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً، ثُمَّ يَسْكُتُ عَنْهَا فَيَكُونُ خَاطِبًا مِنَ الْخُطَّابِ، فَقَالَ اللَّهُ لِأَوْلِيَاءَ الْمَرْأَةِ: “لَا تَعْضُلُوهُنَّ“، يَقُولُ: لَا تَمْنَعُوهُنَّ أَنْ يَرْجِعْنَ إِلَى أَزْوَاجِهِنَّ بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ “إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ“، إِذَا رَضِيَتِ الْمَرْأَةُ وَأَرَادَتْ أَنْ تُرَاجِعَ زَوْجَهَا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَنْـزَلَهَا دَلَالَةً عَلَى تَحْرِيمِهِ عَلَى أَوْلِيَاءِ النِّسَاءِ مُضَارَّةَ مَنْ كَانُوا لَهُ أَوْلِيَاءَ مِنَ النِّسَاءِ، بِعَضْلِهِنَّ عَمَّنْ أَرَدْنَ نِكَاحَهُ مِنْ أَزْوَاجٍ كَانُوا لَهُنَّ، فَبِنَّ مِنْهُنَّ بِمَا تَبِينُ بِهِ الْمَرْأَةُ مِنْ زَوْجِهَا مِنْ طَلَاقٍ أَوْ فَسْخِ نِكَاحٍ. وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ نَزَلَتْ فِي أَمْرِ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ وَأَمْرِ أُخْتِهِ، أَوْ فِي أَمْرِ جابرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَمْرِ ابْنَةِ عَمِّهِ. وَأَيُّ ذَلِكَ كَانَ، فَالْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى مَا ذَكَرْتُ. وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ“، لَا تُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ بِمَنْعِكُمْ إِيَّاهُنَّ أَيُّهَا الْأَوْلِيَاءُ مِنْ مُرَاجَعَةِ أَزْوَاجِهِنَّ بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ، تَبْتَغُونَ بِذَلِكَ مُضَارَّتَهُنَّ. يُقَالُ مِنْهُ: “عَضَلَ فُلَانٌ فُلَانَةً عَنِ الْأَزْوَاجِ يَعْضُلُهَا عَضْلًا“، وَقَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ حَيًّا مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ مِنْ لُغَتِهَا: “عَضِلَ يَعْضَلُ“. فَمَنْ كَانَ مِنْ لُغَتِهِ “عَضِلَ“، فَإِنَّهُ إِنْ صَارَ إِلَى “يَفْعَلُ“، قَالَ: “يَعْضَلُ “ بِفَتْحِ “الضَّادِ“. وَالْقِرَاءَةُ عَلَى ضَمِّ “الضَّادِ “ دُونَ كَسْرِهَا، وَالضَّمُّ مِنْ لُغَةِ مَنْ قَالَ “عَضَلَ“. وَأَصْلُ “الْعَضْلِ“، الضِّيقُ، وَمِنْهُ قَوْلُ عُمَرَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ: “وَقَدْ أَعْضَلَ بِي أَهْلُ الْعِرَاقِ، لَا يَرْضَوْنَ عَنْ وَالٍ، وَلَا يَرْضَى عَنْهُمْ وَالٍ“، يَعْنِي بِذَلِكَ حَمَلُونِي عَلَى أَمْرٍ ضَيِّقٍ شَدِيدٍ لَا أُطِيقُ الْقِيَامَ بِهِ. وَمِنْهُ أَيْضًا “الدَّاءُ الْعُضَالُ “ وَهُوَ الدَّاءُ الَّذِي لَا يُطَاقُ عِلَاجُهُ، لِضِيقِهِ عَنِ الْعِلَاجِ، وَتَجَاوُزِهِ حَدَّ الْأَدْوَاءِ الَّتِي يَكُونُ لَهَا عِلَاجٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ: وَلَـمْ أَقْـذِفْ لِمُؤْمِنَـةٍ حَصَـانٍ *** بِـإِذْنِ اللَّـهِ مُوجِبَـةً عُضَـالَا وَمِنْهُ قِيلَ: “عَضَلَ الْفَضَاءُ بِالْجَيْشِ لِكَثْرَتِهِمْ“، إِذَا ضَاقَ عَنْهُمْ مِنْ كَثْرَتِهِمْ. وَقِيلَ: “عَضَلَتِ الْمَرْأَةُ“، إِذَا نَشِبَ الْوَلَدُ فِي رَحِمِهَا فَضَاقَ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ مِنْهَا، وَمِنْهُ قَوْلُ أَوْسِ بْنِ حَجَرٍ: وَلَيْسَ أَخُـوكَ الـدَّائِمُ الْعَهْـدِ بِـالَّذِي *** يَـذُمُّكَ إِنْ وَلَّـى وَيُـرْضِيكَ مُقْبِـلًا وَلَكِنَّـهُ النَّـائِي إِذَا كُـنْتَ آمِنًـا *** وَصَـاحِبُكَ الْأَدْنَـى إِذَا الْأَمْـرُ أَعْضَلَا و “أَنْ “ الَّتِي فِي قَوْلِهِ: “أَنْ يَنْكِحْنَ“، فِي مَوْضِعِ نَصْبِ قَوْلِهِ: “تَعْضُلُوهُنَّ“. وَمَعْنَى قَوْلِهِ: {إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ}، إِذَا تَرَاضَى الْأَزْوَاجُ وَالنِّسَاء بِمَا يَحِلُّ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا مِنْ أَبْضَاعِهِنَّ مِنَ الْمُهُورِ، وَنِكَاحٍ جَدِيدٍ مُسْتَأْنَفٍ، كَمَا:- حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عُمَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَيْلَمَانِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَنْكِحُوا الْأَيَامَى. فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الْعَلَائِقُ بَيْنَهُمْ؟ قَالَ: “مَا تَرَاضَى عَلَيْهِ أَهْلُوهُم). حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَارِثِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِنَحْوٍ مِنْهُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ الدَّلَالَةُ الْوَاضِحَةُ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِ مَنْ قَالَ: “لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ مِنَ الْعَصَبَةِ“. وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ مَنَعَ الْوَلِيَّ مِنْ عَضْلِ الْمَرْأَةِ إِنْ أَرَادَتِ النِّكَاحَ وَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ. فَلَوْ كَانَ لِلْمَرْأَةِ إِنْكَاحُ نَفْسِهَا بِغَيْرِ إِنْكَاحِ وَلِيِّهَا إِيَّاهَا، أَوْ كَانَ لَهَا تَوْلِيَةُ مَنْ أَرَادَتْ تَوْلِيَتَهُ فِي إِنْكَاحِهَا-لَمْ يَكُنْ لِنَهْيِ وَلِيِّهَا عَنْ عَضْلِهَا مَعْنًى مَفْهُومٌ، إِذْ كَانَ لَا سَبِيلَ لَهُ إِلَى عَضْلِهَا. وَذَلِكَ أَنَّهَا إِنْ كَانَتْ مَتَّى أَرَدَاتِ النِّكَاحَ جَازَ لَهَا إِنْكَاحُ نَفْسِهَا، أَوْ إِنْكَاحُ مَنْ تُوَكِّلُهُ إِنْكَاحَهَا، فُلَا عَضْلَ هُنَالِكَ لَهَا مِنْ أَحَدٍ فَيُنْهَى عَاضِلُهَا عَنْ عَضْلِهَا. وَفِي فَسَادِ الْقَوْلِ بِأَنْ لَا مَعْنَى لِنَهْيِ اللَّهِ عَمَّا نَهَى عَنْهُ، صِحَّةُ الْقَوْلِ بِأَنَّ لِوَلِيِّ الْمَرْأَةِ فِي تَزْوِيجِهَا حَقًّا لَا يَصِحُّ عَقْدُهُ إِلَّا بِهِ. وَهُوَ الْمَعْنَى الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ الْوَلِيَّ: مِنْ تَزْوِيجِهَا إِذَا خَطَبَهَا خَاطِبُهَا وَرَضِيَتْ بِهِ، وَكَانَ رِضَى عِنْدَ أَوْلِيَائِهَا، جَائِزًا فِي حُكْمِ الْمُسْلِمِينَ لِمِثْلِهَا أَنْ تَنْكِحَ مِثْلَهُ وَنَهَاهُ عَنْ خِلَافِهِ: مِنْ عَضْلِهَا، وَمَنْعِهَا عَمَّا أَرَادَتْ مِنْ ذَلِكَ، وَتَرَاضَتْ هِيَ وَالْخَاطِبُ بِهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ذِكْرُهُ {ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ، مَا ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: مِنْ نَهْيِ أَوْلِيَاءِ الْمَرْأَةِ عَنْ عَضْلِهَا عَنِ النِّكَاحِ، يَقُولُ: فَهَذَا الَّذِي نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ مِنْ عَضْلِهِنَّ عَنِ النِّكَاحِ، عِظَةٌ مِنِّي مَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ- يَعْنِي يُصَدِّقُ بِاللَّهِ، فَيُوَحِّدُهُ، وَيُقِرُّ بِرُبُوبِيَّتِهِ، “وَالْيَوْمِ الْآخِرِ “ يَقُولُ: وَمَنْ يُؤْمِنُ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ، فَيُصَدِّقُ بِالْبَعْثِ لِلْجَزَاءِ وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، لِيَتَّقِيَ اللَّهَ فِي نَفْسِهِ، فَلَا يَظْلِمْهَا بِضِرَارِ وَلِيَّتِهِ وَمَنْعِهَا مِنْ نِكَاحِ مَنْ رَضِيَتْهُ لِنَفْسِهَا، مِمَّنْ أَذِنْتُ لَهَا فِي نِكَاحِهِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: وَكَيْفَ قِيلَ: “ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ“، وَهُوَ خِطَابٌ لِجَمِيعٍ، وَقَدْ قَالَ مِنْ قَبْلُ: “فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ“؟ وَإِذَا جَازَ أَنْ يُقَالَ فِي خِطَابِ الْجَمِيعِ “ذَلِكَ“، أَفَيَجُوزُ أَنْ تَقُولَ لِجَمَاعَةٍ مِنَ النَّاسِ وَأَنْتَ تُخَاطِبُهُمْ: “أَيُّهَا الْقَوْمُ، هَذَا غُلَامُكَ، وَهَذَا خَادِمُكَ“، وَأَنْتَ تُرِيدُ: هَذَا خَادِمُكُمْ، وَهَذَا غُلَامُكُمْ؟ قِيلَ: لَا إِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ مَعَ الْأَسْمَاءِ الْمَوْضُوعَاتِ، لِأَنَّ مَا أُضِيفَ لَهُ الْأَسْمَاءُ غَيْرَهَا، فَلَا يَفْهَمُ سَامِعٌ سَمِعَ قَوْلَ قَائِلٍ لِجَمَاعَةٍ: “أَيُّهَا الْقَوْمُ، هَذَا غُلَامُكَ“، أَنَّهُ عَنَى بِذَلِكَ هَذَا غُلَامُكُمْ- إِلَّا عَلَى اسْتِخْطَاءِ النَّاطِقِ فِي مَنْطِقِهِ ذَلِكَ. فَإِنْ طَلَبَ لِمَنْطِقِهِ ذَلِكَ وَجْهًا فِي الصَّوَابِ، صَرَفَ كَلَامَهُ ذَلِكَ إِلَى أَنَّهُ انْصَرَفَ عَنْ خِطَابِ الْقَوْمِ بِمَا أَرَادَ خُِطَابَهُمْ بِهِ، إِلَى خِطَابِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَتَرَكَ مُجَاوَزَةَ الْقَوْمِ بِمَا أَرَادَ مُجَاوَزَتَهُمْ بِهِ مِنَ الْكَلَامِ. وَلَيْسَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي “ذَلِكَ “ لِكَثْرَةِ جَرْيِ ذَلِكَ عَلَى أَلْسُنِ الْعَرَبِ فِي مَنْطِقِهَا وَكَلَامِهَا، حَتَّى صَارَتْ “الْكَافُ “-الَّتِي هِيَ كِنَايَةُ اسْمِ الْمُخَاطَبِ فِيهَا- كَهَيْئَةِ حَرْفٍ مِنْ حُرُوفِ الْكَلِمَةِ الَّتِي هِيَ مُتَّصِلَةٌ. وَصَارَتِ الْكَلِمَةُ بِهَا كَقَوْلِ الْقَائِلِ: “هَذَا“، كَأَنَّهَا لَيْسَ مَعَهَا اسْمُ مُخَاطَبٍ. فَمَنْ قَالَ: {ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}، أَقَرَّ “الْكَافَ “ مِنْ “ذَلِكَ “ مُوَحَّدَةً مَفْتُوحَةً فِي خِطَابِ الْوَاحِدَةِ مِنَ النِّسَاءِ، وَالْوَاحِدِ مِنَ الرِّجَالِ، وَالتَّثْنِيَةِ، وَالْجَمْعِ. وَمَنْ قَالَ: “ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ“، كَسَرَ “الْكَافَ “ فِي خِطَابِ الْوَاحِدَةِ مِنَ النِّسَاءِ، وَفَتَحَ فِي خِطَابِ الْوَاحِدِ مِنَ الرِّجَالِ، فَقَالَ فِي خِطَابِ الِاثْنَيْنِ مِنْهُمْ: “ذَلِكُمَا“، وَفِي خِطَابِ الْجَمْعِ “ذَلِكُمْ“. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ قَوْلَهُ: {ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ}، خِطَابٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلِذَلِكَ وَحَّدَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى خِطَابِ الْمُؤْمِنِينَ بِقَوْلِهِ: {مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ}. وَإِذَا وُجِّهَ التَّأْوِيلُ إِلَى هَذَا الْوَجْهِ، لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَؤُونَةٌ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [232] قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ “ذَلِكُمْ “ نِكَاحُهُنَّ أَزْوَاجَهُنَّ، وَمُرَاجَعَةُ أَزْوَاجِهِنَّ إِيَّاهُنَّ، بِمَا أَبَاحَ لَهُنَّ مِنْ نِكَاحٍ وَمَهْرٍ جَدِيدٍ “أَزْكَى لَكُمْ“، أَيُّهَا الْأَوْلِيَاءُ وَالْأَزْوَاجُ وَالزَّوْجَاتُ. وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: “أَزْكَى لَكُمْ“، أَفْضَلُ وَخَيْرٌ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ فُرْقَتِهِنَّ أَزْوَاجَهُنَّ. وَقَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى عَلَى مَعْنَى “الزَّكَاةِ“، فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: “وَأَطْهَرُ“، فَإِنَّهُ يَعْنِي بِذَلِكَ: أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَقُلُوبِ أَزْوَاجِهِنَّ مِنَ الرِّيبَةِ. وَذَلِكَ أَنَّهُمَا إِذَا كَانَ فِي نَفْسِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا- أَعْنِي الزَّوْجَ وَالْمَرْأَةَ- عَلَاقَةُ حُبٍّ، لَمْ يُؤْمَنْ أَنْ يَتَجَاوَزَا ذَلِكَ إِلَى غَيْرِ مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ لَهُمَا، وَلَمْ يُؤْمَنْ مِنْ أَوْلِيَائِهِمَا أَنْ يَسْبِقَ إِلَى قُلُوبِهِمْ مِنْهُمَا مَا لَعَلَّهُمَا أَنْ يَكُونَا مِنْهُ بَرِيئَيْنِ. فَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ الْأَوْلِيَاءَ-إِذَا أَرَادَ الْأَزْوَاجُ التَّرَاجُعَ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ، بِنِكَاحٍ مُسْتَأْنَفٍ، فِي الْحَالِ الَّتِي أَذِنَ اللَّهُ لَهُمَا بِالتَّرَاجُعِ أَنْ لَا يَعْضُلَ وَلِيَّتَهُ عَمَّا أَرَادَتْ مِنْ ذَلِكَ، وَأَنْ يُزَوِّجَهَا. لِأَنَّ ذَلِكَ أَفْضَلُ لِجَمِيعِهِمْ، وَأَطْهَرُ لِقُلُوبِهِمْ مِمَّا يُخَافُ سُبُوقُهُ إِلَيْهَا مِنَ الْمَعَانِي الْمَكْرُوهَةِ. ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى ذِكْرُهُ عِبَادَهُ أَنَّهُ يَعْلَمُ مِنْ سَرَائِرِهِمْ وَخَفِيَّاتِ أُمُورِهِمْ مَا لَا يَعْلَمُهُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَدَلَّهُمْ بِقَوْلِهِ لَهُمْ ذَلِكَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، أَنَّهُ إِنَّمَا أَمَرَ أَوْلِيَاءَ النِّسَاءِ بِإِنْكَاحِ مَنْ كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ مِنَ النِّسَاءِ إِذَا تَرَاضَتِ الْمَرْأَةُ وَالزَّوْجُ الْخَاطِبُ بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهَاهُمْ عَنْ عَضْلِهِنَّ عَنْ ذَلِكَ لِمَا عَلِمَ مِمَّا فِي قَلْبِ الْخَاطِبِ وَالْمَخْطُوبِ مِنْ غَلَبَةِ الْهَوَى وَالْمَيْلِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَى صَاحِبِهِ بِالْمَوَدَّةِ وَالْمَحَبَّةِ، فَقَالَ لَهُمْ تَعَالَى ذِكْرُهُ: افْعَلُوا مَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ، إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِي، وَبِثَوَابِي وَبِعِقَابِي فِي مَعَادِكُمْ فِي الْآخِرَةِ، فَإِنِّي أَعْلَمُ مِنْ قَلْبِ الْخَاطِبِ وَالْمَخْطُوبَةِ مَا لَا تَعْلَمُونَهُ مِنَ الْهَوَى وَالْمَحَبَّةِ. وَفِعْلُكُمْ ذَلِكَ أَفْضَلُ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَهُمْ، وَأَزْكَى وَأَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ فِي الْعَاجِلِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ: وَالنِّسَاءُ اللَّوَاتِي بِنَّ مِنْ أَزْوَاجِهِنَّ، وَلَهُنَّ أَوْلَادٌ قَدْ وَلَدْنَهُمْ مِنْ أَزْوَاجِهِنَّ قَبْلَ بَيْنُونَتِهِنَّ مِنْهُمْ بِطَلَاقٍ، أَوْ وَلَدْنَهُمْ مِنْهُمْ بَعْدَ فِرَاقِهِمْ إِيَّاهُنَّ، مِنْ وَطْءٍ كَانَ مِنْهُمْ لَهُنَّ قَبْلَ الْبَيْنُونَةِ “يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ“، يَعْنِي بِذَلِكَ: أَنَّهُنَّ أَحَقُّ بِرَضَاعِهِمْ مِنْ غَيْرِهِمْ. وَلَيْسَ ذَلِكَ بِإِيجَابٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَلَيْهِنَّ رَضَاعَهُمْ، إِذَا كَانَ الْمَوْلُودُ لَهُ وَلَدٌ، حَيًّا مُوسِرًا. لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ قَالَ فِي “سُورَةِ النِّسَاءِ الْقُصْرَى“ {وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} [سُورَةُ الطَّلَاقِ: 6]، فَأَخْبَرَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَنَّ الْوَالِدَةَ وَالْمَوْلُودَ لَهُ إِنْ تَعَاسَرَا فِي الْأُجْرَةِ الَّتِي تُرْضِعُ بِهَا الْمَرْأَةُ وَلَدَهَا، أَنَّ أُخْرَى سِوَاهَا تُرْضِعُهُ، فَلَمْ يُوجِبْ عَلَيْهَا فَرْضًا رَضَاعَ وَلَدِهَا. فَكَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ}، دَلَالَةٌ عَلَى مَبْلَغِ غَايَةِ الرَّضَاعِ الَّتِي مَتَى اخْتَلَفَ الْوَالِدَانِ فِي رَضَاعِ الْمَوْلُودِ بَعْدَهُ، جُعِلَ حَدَّا يُفْصَلُ بِهِ بَيْنَهُمَا، لَا دَلَالَةَ عَلَى أَنَّ فَرْضًا عَلَى الْوَالِدَاتِ رَضَاعَ أَوْلَادِهِنَّ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَمَّا قَوْلُهُ: “حَوْلَيْنِ“، فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ سَنَتَيْنِ، كَمَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ}، سَنَتَيْنِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. وَأَصْلُ “الْحَوْلِ “ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: “حَالَ هَذَا الشَّيْءُ“، إِذَا انْتَقَلَ. وَمِنْهُ قِيلَ: “تَحَوُّلَ فُلَانٌ مِنْ مَكَانِ كَذَا“، إِذَا انْتَقَلَ عَنْهُ. فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: وَمَا مَعْنَى ذِكْرِ “كَامِلَيْنِ “ فِي قَوْلِهِ: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ}، بَعْدَ قَوْلِهِ: “يُرْضِعْنَ حَوْلَيْنِ“، وَفِي ذِكْرِ “الْحَوْلَيْنِ “ مُسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِ “الْكَامِلَيْنَ“، إِذْ كَانَ غَيْرَ مُشْكِلٍ عَلَى سَامِعٍ سَمِعَ قَوْلَهُ: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ} مَا يُرَادُ بِهِ؟ فَمَا الْوَجْهُ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ زِيدَ ذِكْرُ كَامِلَيْنِ؟. قِيلَ: إِنَّ الْعَرَبَ قَدْ تَقُولُ: “أَقَامَ فُلَانٌ بِمَكَانِ كَذَا حَوْلَيْنِ، أَوْ يَوْمَيْنِ، أَوْ شَهْرَيْنِ“، وَإِنَّمَا أَقَامَ بِهِ يَوْمًا وَبَعْضَ آخَرَ، أَوْ شَهْرًا وَبَعْضَ آخَرَ، أَوْ حَوْلًا وَبَعْضَ آخَرَ، فَقِيلَ: “حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ “ لِيَعْرِفَ سَامِعُو ذَلِكَ أَنَّ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ حَوْلَانِ تَامَّانِ، لَا حَوْلٌ وَبَعْضُ آخَرَ. وَذَلِكَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 203]. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُتَعَجِّلَ إِنَّمَا يَتَعَجَّلُ فِي يَوْمٍ وَنِصْفٍ، وَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ شَيْءٌ تَامٌّ، وَلَكِنَّ الْعَرَبَ تَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الْأَوْقَاتِ خَاصَّةً فَتَقُولُ: “الْيَوْمَ يَوْمَانِ مُنْذُ لَمْ أَرَهُ“، وَإِنَّمَا تَعْنِي بِذَلِكَ يَوْمًا وَبَعْضَ آخَرَ. وَقَدْ تُوقِعُ الْفِعْلَ الَّذِي تَفْعَلُهُ فِي السَّاعَةِ أَوِ اللَّحْظَةِ، عَلَى الْعَامِ وَالزَّمَانِ وَالْيَوْمِ، فَتَقُولُ: “زُرْتُهُ عَامَ كَذَا- وَقَتَلَ فُلَانٌ فُلَانًا زَمَانَ صِفِّينٍ“، وَإِنَّمَا تَفْعَلُ ذَلِكَ، لِأَنَّهَا لَا تَقْصِدُ بِذَلِكَ الْخَبَرَ عَنْ عَدَدِ الْأَيَّامِ وَالسِّنِينَ، وَإِنَّمَا تَعْنِي بِذَلِكَ الْأَخْبَارَ عَنِ الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ فِيهِ الْمُخْبَرُ عَنْهُ، فَجَازَ أَنْ يَنْطِقَ “بِالْحَوْلَيْنِ“، و “الْيَوْمَيْنِ“، عَلَى مَا وَصَفْتُ قَبْلُ. لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ فِي ذَلِكَ: فَعَلْتُهُ إِذْ ذَاكَ، وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ. فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ}، لَمَّا جَازَ الرَّضَاعُ فِي الْحَوْلَيْنِ وَلَيْسَا بِالْحَوْلَيْنِ وَكَانَ الْكَلَامُ لَوْ أُطْلِقَ فِي ذَلِكَ بِغَيْرِ تَضْمِينِ الْحَوْلَيْنِ بِالْكَمَالِ، وَقِيلَ: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ}، مُحْتَمِلًا أَنْ يَكُونَ مَعْنِيًّا بِهِ حَوْلٌ وَبَعْضُ آخَرَ نَفَى اللَّبْسَ عَنْ سَامِعِيهِ بِقَوْلِهِ: “كَامِلَيْنِ “ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا بِهِ حَوْلٌ وَبَعْضُ آخَرَ، وَأُبِينَ بِقَوْلِهِ: “كَامِلَيْنِ “ عَنْ وَقْتِ تَمَامِ حَدِّ الرَّضَاعِ، وَأَنَّهُ تَمَامُ الْحَوْلَيْنِ بِانْقِضَائِهِمَا، دُونَ انْقِضَاءِ أَحَدِهِمَا وَبَعْضِ الْآخَرِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ، مِنْ مَبْلَغِ غَايَةِ رَضَاعِ الْمَوْلُودِينَ: أَهْوَ حَدٌّ لِكُلِّ مَوْلُودٍ، أَوْ هُوَ حَدٌّ لِبَعْضٍ دُونِ بَعْضٍ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ حَدٌّ لِبَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي الَّتِي تَضَعُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ: أَنَّهَا تُرْضِعُ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ، وَإِذَا وَضَعَتْ لِسَبْعَةِ أَشْهُرٍ أَرْضَعَتْ ثَلَاثَةً وَعِشْرِينَ لِتَمَامِ ثَلَاثِينَ شَهْرًا، وَإِذَا وَضَعَتْ لِتِسْعَةِ أَشْهُرٍ أَرْضَعَتْ وَاحِدًا وَعِشْرِينَ شَهْرً. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، بِمِثْلِهِ، وَلَمْ يَرْفَعْهُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أبِي عُبَيْدٍ قَالَ: رُفِعَ إِلَى عُثْمَانَ امْرَأَةٌ وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَقَالَ: إِنَّهَا رُفِعَتْ [إِلَيَّ امْرَأَةٌ]، لَا أَرَاهَا إِلَّا قَدْ جَاءَتْ بِشَرٍّ-أَوْ نَحْوِ هَذَا- وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ! فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِذَا أَتَمَّتِ الرَّضَاعَ كَانَ الْحَمْلُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ. قَالَ: وَتَلَا ابْنُ عَبَّاسٍ: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} [سُورَةُ الْأَحْقَافِ: 15]، فَإِذَا أَتَمَّتِ الرَّضَاعَ كَانَ الْحَمْلُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ. فَخَلَّى عُثْمَانُ سَبِيلَهَ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ذَلِكَ حَدُّ رَضَاعِ كُلِّ مَوْلُودٍ اخْتَلَفَ وَالِدَاهُ فِي رَضَاعِهِ، فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا الْبُلُوغَ إِلَيْهِ، وَالْآخَرُ التَّقْصِيرَ عَنْهُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ}، فَجَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الرَّضَاعَ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعةَ، ثُمَّ قَالَ: {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا}، إِنْ أَرَادَا أَنْ يَفْطِمَاهُ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ وَبَعْدَهُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: “وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ“، قَالَ: إِنْ أَرَادَتْ أُمُّهُ أَنْ تُقَصِّرَ عَنْ حَوْلَيْنِ كَانَ عَلَيْهَا حَقًّا أَنْ تُبَلِّغَهُ-لَا أَنْ تَزِيدَ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مِهْرَانُ وَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ أَبِي الزَّرْقَاءِ جَمِيعًا، عَنِ الثَّوْرِيِّ فِي قَوْلِهِ: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعةَ}، وَالتَّمَامَ الْحَوَلَانِ. قَالَ: فَإِذَا أَرَادَ الْأَبُ أَنْ يَفْطِمَهُ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ وَلَمْ تَرْضَ الْمَرْأَةُ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. وَإِذَا قَالَتِ الْمَرْأَةُ: “أَنَا أَفْطِمُهُ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ“، وَقَالَ الْأَبُ: “لَا“، فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَفْطِمَهُ حَتَّى يَرْضَى الْأَبُ، حَتَّى يَجْتَمِعَا. فَإِنِ اجْتَمَعَا قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ فَطَمَاهُ، وَإِذَا اخْتَلَفَا لَمْ يَفْطِمَاهُ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ. وَذَلِكَ قَوْلُهُ: {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ}. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ دَلَّ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ}، عَلَىأَنْ لَا رَضَاعَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ، فَإِنَّ الرَّضَاعَ إِنَّمَا هُوَ كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُمَا قَالَا: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ يَقُولُ: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ}، وَلَا نَرَى رَضَاعًا بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ يُحَرِّمُ شَيْئًا حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولَانِ: لَا رَضَاعَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ. حَدَّثَنَا أَبُو السَّائِبِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَفْصٌ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: مَا كَانَ مِنْ رَضَاعٍ بَعْدَ سَنَتَيْنِ أَوْ فِي الْحَوْلَيْنِ بَعْدَ الْفِطَامِ فَلَا رَضَاعَ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ، أَنَّهُ رَأَى امْرَأَةً تُرْضِعُ بَعْدَ حَوْلَيْنِ فَقَالَ: لَا تُرْضِعِيهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ يَقُولُ: مَا كَانَ مِنْ وَجُورٍ أَوْ سَعُوطٍ أَوْ رَضَاعٍ فِي الْحَوْلَيْنِ فَإِنَّهُ يُحَرِّمُ، وَمَا كَانَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ لَمْ يُحَرِّمْ شَيْئًا. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ قَالَ: لَا رَضَاعَ بَعْدَ فِصَالٍ، أَوْ بَعْدَ حَوْلَيْنِ. حَدَّثَنَا أبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ عَطِيَّةَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَيْسَ يُحَرِّمُ مِنَ الرَّضَاعِ بَعْدَ التَّمَامِ، إِنَّمَا يُحَرِّمُ مَا أَنْبَتَ اللَّحْمَ وَأَنْشَأَ الْعَظْمَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: لَا رَضَاعَ بَعْدَ فِصَالِ السَّنَتَيْنِ. حَدَّثَنَا هِلَالُ بْنُ الْعَلَاءِ الرَّقِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي الضُّحَى قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ}، قَالَ: لَا رَضَاعَ إِلَّا فِي هَذَيْنَ الْحَوْلَيْنِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ كَانَ قَوْلُهُ: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ}، دَلَالَةً مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ عِبَادَهُ عَلَى أَنَّ فَرْضًا عَلَى وَالِدَاتِ الْمَوْلُودِينَ أَنْ يُرْضِعْنَهُمْ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ، ثُمَّ خَفَّفَ تَعَالَى ذِكْرُهُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعةَ}، فَجُعِلَ الْخِيَارُ فِي ذَلِكَ إِلَى الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ، إِذَا أَرَادُوا الْإِتْمَامَ أَكْمَلُوا حَوْلَيْنِ، وَإِنْ أَرَادُوا قَبْلَ ذَلِكَ فَطْمَ الْمَوْلُودِ، كَانَ ذَلِكَ إِلَيْهِمْ عَلَى النَّظَرِ مِنْهُمْ لِلْمَوْلُودِ
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} ثُمَّ أَنْـزَلَ اللَّهُ الْيُسْرَ وَالتَّخْفِيفَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَقَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: “لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعةَ“. حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ فِي قَوْلِهِ: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ}، يَعْنِي الْمُطَلَّقَاتِ، يُرْضِعْنَ أَوْلَادَّهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ. ثُمَّ أَنْـزَلَ الرُّخْصَةَ وَالتَّخْفِيفَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَقَالَ: {لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعةَ}. ذِكْرُ مَنْ قَالَ: إِنَّ “الْوَالِدَاتِ“، اللَّوَاتِي ذَكَرَهُنَّ اللَّهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الْبَائِنَاتُ مَنْ أَزْوَاجِهِنَّ، عَلَى مَا وَصَفْنَا قَبْلُ. حَدَّثَنِي مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} إِلَى {إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ}، أَمَّا “الْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ“، فَالرَّجُلُ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ وَلَهُ مِنْهَا وُلَدٌ، وَأَنَّهَا تُرْضِعُ لَهُ وَلَدَهُ بِمَا يُرْضِعُ لَهُ غَيْرُهَا. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ فِي قَوْلِهِ: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ}، قَالَ: إِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ تُرْضِعُ لَهُ وَلَدً. حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو زُهَيْرٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، بِنَحْوِهِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ فِي قَوْلِهِ: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعةَ}، الْقَوْلُ الَّذِي رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَوَافَقَهُ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ عَطَاءٌ وَالثَّوْرِيُّ وَالْقَوْلُ الَّذِي رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ: وَهُوَ أَنَّهُ دَلَالَةٌ عَلَى الْغَايَةِ الَّتِي يُنْتَهَى إِلَيْهَا فِي رَضَاعِ الْمَوْلُودِ إِذَا اخْتَلَفَ وَالِدَاهُ فِي رِضَاعِهِ، وَأَنْ لَا رَضَاعَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ يُحَرِّمُ شَيْئًا، وَأَنَّهُ مَعْنِيٌّ بِهِ كُلُّ مَوْلُودٍ، لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ كَانَ وِلَادُهُ أَوْ لِسَبْعَةٍ أَوْ لِتِسْعَةٍ. فَأَمَّا قَوْلُنَا: “إِنَّهُ دَلَالَةٌ عَلَى الْغَايَةِ الَّتِي يُنْتَهَى إِلَيْهَا فِي الرَّضَاعِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْوَالِدَيْنِ فِيهِ“، فَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ لَمَّا حَدَّ فِي ذَلِكَ حَدًّا، كَانَ غَيْرَ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ مَا وَرَاءَ حَدِّهِ مُوَافِقًا فِي الْحُكْمِ مَا دُونَهُ. لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ، لَمْ يَكُنْ لِلْحَدِّ مَعْنًى مَعْقُولٌ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَلَا شَكَّ أَنَّ الَّذِي هُوَ دُونَ الْحَوْلَيْنِ مِنَ الْأَجَلِ، لَمَّا كَانَ وَقْتَ رَضَاعٍ، كَانَ مَا وَرَاءَهُ غَيْرَ وَقْتٍ لَهُ، وَأَنَّهُ وَقْتٌ لِتَرْكِ الرَّضَاعِ وَأَنَّ تَمَامَ الرَّضَاعِ لَمَّا كَانَ تَمَامَ الْحَوْلَيْنِ، وَكَانَ التَّامُّ مِنَ الْأَشْيَاءِ لَا مَعْنَى إِلَى الزِّيَادَةِ فِيهِ، كَانَ لَا مَعْنَى لِلزِّيَادَةِ فِي الرَّضَاعِ عَلَى الْحَوْلَيْنِ، وَأَنَّ مَا دُونَ الْحَوْلَيْنِ مِنَ الرَّضَاعِ لَمَّا كَانَ مُحَرَّمًا، كَانَ مَا وَرَاءَهُ غَيْرَ مُحَرَّمٍ. وَإِنَّمَا قُلْنَا: “هُوَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ مَعْنِيٌّ بِهِ كُلُّ مَوْلُودٍ، لِأَيِّ وَقْتٍ كَانَ وِلَادُهُ، لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ سَبْعَةٍ أَوْ تِسْعَةٍ“، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَمَّ بِقَوْلِهِ: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ}، وَلَمْ يُخَصِّصْ بِهِ بَعْضَ الْمَوْلُودِينَ دُونَ بَعْضٍ. وَقَدّ دَلَّلْنَا عَلَى فَسَادِ الْقَوْلِ بِالْخُصُوصِ بِغَيْرِ بَيَانِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ، أَوْ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي كِتَابِنَا (كِتَابِ الْبَيَانِ عَنْ أُصُولِ الْأَحْكَامِ)، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} [سُورَةُ الْأَحْقَافِ: 15]، فَجَعَلَ ذَلِكَ حَدًّا لِلْمَعْنَيَيْنِ كِلَيْهِمَا، فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ حَمْلٌ وَرَضَاعٌ أَكْثَرَ مِنَ الْحَدِّ الَّذِي حَدَّهُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ. فَمَا نَقَصَ مِنْ مُدَّةِ الْحَمْلِ عَنْ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ، فَهُوَ مَزِيدٌ فِي مُدَّةِ الرَّضَاعِ، وَمَا زِيدَ فِي مُدَّةِ الْحَمْلِ، نَقَصَ مِنْ مُدَّةِ الرَّضَاعِ. وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُجَاوِزَ بِهِمَا كِلَيْهِمَا مُدَّةَ ثَلَاثِينَ شَهْرًا، كَمَا حَدَّهُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ. قِيلَ لَهُ: فَقَدْ يَجِبُ أَنَّ يَكُونَ مُدَّةُ الْحَمْلِ-عَلَى هَذِهِ الْمَقَالَةِ- إِنْ بَلَغَتْ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ، أَلَّا يَرْضَعَ الْمَوْلُودُ إِلَّا سِتَّةَ أَشْهُرٍ، وَإِنْ بَلَغَتْ أَرْبَعَ سِنِينَ، أَنْ يَبْطُلَ الرَّضَاعُ فَلَا يَرْضَعُ، لِأَنَّ الْحَمْلَ قَدِ اسْتَغْرَقَ الثَّلَاثِينَ شَهْرًا وَجَاوَزَ غَايَتَهُ أَوْ يَزْعُمُ قَائِلٌ هَذِهِ الْمَقَالَةَ: أَنَّ مُدَّةَ الْحَمْلِ لَنْ تُجَاوِزَ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ، فَيَخْرُجُ مِنْ قَوْلِ جَمِيعِ الْحُجَّةِ، وَيُكَابِرُ الْمَوْجُودَ وَالْمُشَاهَدَ، وَكَفَى بِهِمَا حُجَّةً عَلَى خَطَأِ دَعْوَاهُ إِنِ ادَّعَى ذَلِكَ. فَإِلَى أَيِّ الْأَمْرَيْنِ لَجَأَ قَائِلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ، وَضَحَ لِذَوِي الْفَهْمِ فَسَادُ قَوْلِهِ. فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ-إِنْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا وَصَفْتَ-: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا}، وَقَدْ ذَكَرْتَ آنِفًا أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ مَا جَاوَزَ حَدَّ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ، نَظِيرَ مَا دُونَ حَدِّهِ فِي الْحُكْمِ؟ وَقَدْ قُلْتَ: إِنَّ الْحَمْلَ وَالْفِصَالَ قَدْ يُجَاوِزَانِ ثَلَاثِينَ شَهْرًا؟ قِيلَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ لَمْ يَجْعَلْ قَوْلَهُ: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} حَدًّا تَعَبَّدَ عِبَادَهُ بِأَنْ لَا يُجَاوِزُوهُ، كَمَا جَعَلَ قَوْلَهُ: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعةَ}، حَدًّا لِرَضَاعِ الْمَوْلُودِ الثَّابِتِ الرَّضَاعِ، وَتَعَبَّدَ الْعِبَادَ بِحَمْلِ وَالِدَيْهِ عِنْدَ اخْتِلَافِهِمَا فِيهِ، وَإِرَادَةِ أَحَدِهِمَا الضِّرَارَ بِهِ. وَذَلِكَ أَنَّ الْأَمْرَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ إِنَّمَا يَكُونُ فِيمَا يَكُونُ لِلْعِبَادِ السَّبِيلُ إِلَى طَاعَتِهِ بِفِعْلِهِ وَالْمَعْصِيَةِ بِتَرْكِهِ. فَأَمَّا مَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ إِلَى فِعْلِهِ وَلَا إِلَى تَرْكِهِ سَبِيلٌ، فَذَلِكَ مِمَّا لَا يَجُوزُ الْأَمْرُ بِهِ وَلَا النَّهْيُ عَنْهُ وَلَا التَّعَبُّدُ بِهِ. فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ الْحَمْلُ مِمَّا لَا سَبِيلَ لِلنِّسَاءِ إِلَى تَقْصِيرِ مُدَّتِهِ وَلَا إِلَى إِطَالَتِهَا، فَيَضَعْنَهُ مَتَى شِئْنَ، وَيَتْرُكْنَ وَضْعَهُ إِذَا شِئْنَ كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ قَوْلَهُ: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا}، إِنَّمَا هُوَ خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَنْ أَنَّ مِنْ خَلْقِهِ مَنْ حَمَلَتْهُ وَوَلَدَتْهُ وَفَصَلَتْهُ فِي ثَلَاثِينَ شَهْرًا، لَا أَمْرٌ بِأَنْ لَا يَتَجَاوَزَ فِي مُدَّةِ حَمْلِهِ وَفِصَالِهِ ثَلَاثُونَ شَهْرًا، لِمَا وَصَفْنَا. وَكَذَلِكَ قَالَ رَبُّنَا تَعَالَى ذِكْرُهُ فِي كِتَابِهِ: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} [سُورَةُ الْأَحْقَافِ: 15]. فَإِنْ ظَنَّ ذُو غَبَاءٍ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ إِذْ وَصَفَ أَنَّ مِنْ خَلْقِهِ مَنْ حَمَلَتْهُ أَمُّهُ وَوَضَعَتْهُ وَفَصَلَتْهُ فِي ثَلَاثِينَ شَهْرًا، فَوَاجِبٌ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ خَلْقِهِ ذَلِكَ صِفَتُهُمْ وَأَنَّ ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ حَمْلَ كُلِّ عِبَادِهِ وَفِصَالَهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا فَقَدْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ عِبَادِهِ صِفَتُهُمْ أَنْ يَقُولُوا إِذَا بَلَغُوا أَشُدَّهُمْ وَبَلَغُوا أَرْبَعِينَ سَنَةً: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ} [سُورَةُ الْأَحْقَافِ: 15]، عَلَى مَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ الَّذِي وَصَفَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ. وَفِي وَجُودِنَا مَنْ يَسْتَحْكِمُ كُفْرُهُ بِاللَّهِ، وَكُفْرَانُهُ نِعَمَ رَبِّهِ عَلَيْهِ، وَجُرْأَتُهُ عَلَى وَالِدَيْهِ بِالْقَتْلِ وَالشَّتْمِ وَضُرُوبِ الْمَكَارِهِ، عِنْدَ اسْتِكْمَالِهِ الْأَرْبَعِينَ مِنْ سِنِيِّهِ وَبُلُوغِهِ أَشُدَّهُ مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَعْنِ اللَّهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ صِفَةَ جَمِيعِ عِبَادِهِ، بَلْ يُعْلَمُ أَنَّهُ إِنَّمَا وَصَفَ بِهَا بَعْضًا مِنْهُمْ دُونَ بَعْضٍ، وَذَلِكَ مَا لَا يُنْكِرُهُ وَلَا يَدْفَعُهُ أَحَدٌ. لِأَنَّ مَنْ يُوَلَدُ مِنَ النَّاسِ لِسَبْعَةِ أَشْهُرٍ، أَكْثَرُ مِمَّنْ يُولَدُ لِأَرْبَعِ سِنِينَ وَلِسَنَتَيْنِ; كَمَا أَنَّ مَنْ يُوَلَدُ لِتِسْعَةِ أَشْهُرٍ، أَكْثَرُ مِمَّنْ يُولَدُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَلِسَبْعَةِ أَشْهُرٍ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَاخْتَلَفَتِ الْقَرَأَةُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَ عَامَّةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْعِرَاقِ وَالشَّامِ: “لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعةَ “ بـ “الْيَاءِ “ فِي “يُتِمَّ “ وَنَصْبِ “الرَّضَاعةِ “- بِمَعْنَى: لِمَنْ أَرَادَ مِنَ الآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ أَنْ يُتِمَّ رَضَاعَ وَلَدِهِ. وَقَرَأَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْحِجَازِ: “لِمَنْ أَرَادَ أَنْ تَتِمَّ الرَّضَاعةُ “ بـ “التَّاءِ “ فِي “تَتِمَّ“، وَرَفْعِ “الرَّضَاعةِ “ بِصِفَتِهَا. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ بـ “الْيَاء “ فِي “يُتِمَّ “ وَنَصْبِ “الرَّضَاعةِ“. لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ قَالَ: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ}، فَكَذَلِكَ هُنَّ يُتْمِمْنَهَا إِذَا أَرَدْنَ هُنَّ وَالْمَوْلُودُ لَهُ إِتْمَامَهَا وَأَنَّهَا الْقِرَاءَةُ الَّتِي جَاءَ بِهَا النَّقْلُ الْمُسْتَفِيضُ الَّذِي ثَبَتَتْ بِهِ الْحُجَّةُ، دُونَ الْقِرَاءَةِ الْأُخْرَى. وَقَدْ حُكِيَ فِي الرَّضَاعةِ سَمَاعًا مِنَ الْعَرَبِ كَسْرُ “الرَّاءِ “ الَّتِي فِيهَا. فَإِنْ تَكُنْ صَحِيحَةً، فَهِيَ نَظِيرَةُ “الْوَكَالَةِ وَالْوِكَالَةِ “ و “الدَّلَالَةِ وَالدِّلَالَةِ“، و “مَهَرْتُ الشَّيْءَ مَهَارَةً وَمِهَارَةً “- فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ “الرَّضَاعُ “ و “الرِّضَاعُ“، كَمَا قِيلَ: “الْحَصَادُ، وَالْحِصَادُ“. وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ فَبِالْفَتْحِ لَا غَيْرُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: “وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ“، وَعَلَى آبَاءِ الصِّبْيَانِ لِلْمَرَاضِعِ “رِزْقُهُنَّ“، يَعْنِي: رِزْقُ وَالِدَتِهِنَّ. وَيَعْنِي بـ “الرِّزْقِ“: مَا يَقُوتُهُنَّ مِنْ طَعَامٍ، وَمَا لَا بُدَّ لَهُنَّ مِنْ غِذَاءٍ وَمَطْعَمٍ. و “كِسْوَتُهُنَّ“، وَيَعْنِي: بـ “الْكِسْوَةِ“: الْمَلْبَسَ. وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: “بِالْمَعْرُوفِ“، بِمَا يَجِبُ لِمِثْلِهَا عَلَى مِثْلِهِ، إِذْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ قَدْ عَلِمَ تَفَاوُتَ أَحْوَالِ خَلْقِهِ بِالْغِنَى وَالْفَقْرِ، وَأَنَّ مِنْهُمُ الْمُوسِعَ وَالْمُقْتِرَ وَبَيْنَ ذَلِكَ. فَأَمَرَ كُلًّا أَنْ يُنْفِقَ عَلَى مَنْ لَزِمَتْهُ نَفَقَتُهُ مِنْ زَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ عَلَى قَدْرِ مَيْسَرَتِهِ، كَمَاقَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} [سُورَةُ الطَّلَاقِ: 7]، وَكَمَا: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ فِي قَوْلِهِ: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}، قَالَ: إِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ تُرْضِعُ لَهُ وَلَدًا، فَتَرَاضَيَا عَلَى أَنْ تُرْضِعَ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ، فَعَلَى الْوَالِدِ رِزْقُ الْمُرْضِعِ وَالْكِسْوَةِ بِالْمَعْرُوفِ عَلَى قَدْرِ الْمَيْسَرَةِ، لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعهَ. حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ الرَّمْلِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا زَيْدٌ وَحَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَامِهْرَانُ عَنْ سُفْيَانَ قَوْلَهُ: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعةَ}، وَالتَّمَامُ الْحَوَلَانِ“، وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ “ عَلَى الْأَبِ طَعَامُهَا وَكِسْوَتُهَا بِالْمَعْرُوفِ حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ قَوْلَهُ: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}، قَالَ: عَلَى الْأَبِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ: لَا تَحْمِلُ نَفْسٌ مِنَ الْأُمُورِ إِلَّا مَا لَا يَضِيقُ عَلَيْهَا، وَلَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهَا وُجُودُهُ إِذَا أَرَادَتْ. وَإِنَّمَا عَنَى اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ: لَا يُوجِبُ اللَّهُ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ نَفَقَةِ مَنْ أَرْضَعَ أَوْلَادَهُمْ مِنْ نِسَائِهِمِ الْبَائِنَاتِ مِنْهُمْ، إِلَّا مَا أَطَاقُوهُ وَوَجَدُوا إِلَيْهِ السَّبِيلَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ} [سُورَةُ الطَّلَاقِ: 7]، كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَامِهْرَانُ وَحَدَّثَنِي عَلِيٌّ قَالَ: حَدَّثَنَا زَيْدٌ جَمِيعًا، عَنْ سُفْيَانَ: {لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا}، إِلَّا مَا أَطَاقَتْ. “وَالْوُسْعُ“ “الْفِعْلُ“ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: “وَسِعَنِي هَذَا الْأَمْرُ فَهُوَ يَسَعُنِي سَعَةً“- وَيُقَالُ: “هَذَا الَّذِي أَعْطَيْتُكَ وُسْعِي“، أَيْ: مَا يَتَّسِعُ لِي أَنْ أُعْطِيَكَ، فَلَا يَضِيقُ عَلِيَّ إِعْطَاؤُكَهُ و “أَعْطَيْتُكَ مِنْ جُهْدِي“، إِذَا أَعْطَيْتَهُ مَا يُجْهِدُكَ فَيَضِيقُ عَلَيْكَ إِعْطَاؤُهُ. فَمَعْنَى قَوْلِهِ: {لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا}، هُوَ مَا وَصَفْتُ: مِنْ أَنَّهَا لَا تُكَلَّفُ إِلَّا مَا يَتَّسِعُ لَهَا بَذْلُ مَا كُلِّفَتْ بَذَلَهُ، فَلَا يَضِيقُ عَلَيْهَا وَلَا يُجْهِدُهَا لَا مَا ظَنَّهُ جَهَلَةُ أَهْلِ الْقَدَرِ مِنْ أَنَّ مَعْنَاهُ: لَا تُكَلِّفُ نَفْسٌ إِلَّا مَا قَدْ أُعْطِيَتْ عَلَيْهِ الْقُدْرَةَ مِنَ الطَّاعَاتِ. لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ كَمَا زَعَمْتَ، لَكَانَ قَوْلُهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا} [سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: وَسُورَةُ الْفُرْقَانِ: 9]، إِذَا كَانَ دَالًّا عَلَى أَنَّهُمْ غَيْرُ مُسْتَطِيعِي السَّبِيلَ إِلَى مَا كُلِّفُوهُ وَاجِبًا أَنْ يَكُونَ الْقَوْمُ فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ، قَدْ أُعْطُوا الِاسْتِطَاعَةَ عَلَى مَا مَنَعُوهَا عَلَيْهِ. وَذَلِكَ مِنْ قَائِلِهِ إِنْ قَالَهُ، إِحَالَةٌ فِي كَلَامِهِ، وَدَعْوَى بَاطِلٍ لَا يُخِيلُ بُطُولُهُ. وَإِذْ كَانَ بَيِّنًا فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ، فَمَعْلُومٌ أَنَّ الَّذِي أَخْبَرَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَنَّهُ كَلَّفَ النُّفُوسَ مِنْ وُسْعِهَا، غَيْرُ الَّذِي أَخْبَرَ أَنَّهُ كَلَّفَهَا مِمَّا لَا تَسْتَطِيعُ إِلَيْهِ السَّبِيلَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: اخْتَلَفَتِ الْقَرَأَةُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ. فَقَرَأَهُ عَامَّةُ قَرَأَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ وَالْكُوفَةِ وَالشَّامِ: “لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا“ بِفَتْحِ “الرَّاءِ“، بِتَأْوِيلِ: لَا تُضَارَرْ عَلَى وَجْهِ النَّهْيِ، وَمَوْضِعُهُ إِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ- جَزْمٌ، غَيْرَ أَنَّهُ حَرَّكَ، إِذْ تَرَكَ التَّضْعِيفَ بِأَخَفِّ الْحَرَكَاتِ، وَهُوَ الْفَتْحُ. وَلَوْ حَرَّكَ إِلَى الْكَسْرِ كَانَ جَائِزًا، إِتْبَاعًا لِحَرَكَةِ لَامِ الْفِعْلِ حَرَكَةَ عَيْنِهِ. وَإِنْ شِئْتَ فَلِأَنَّ الْجَزْمَ إِذَا حُرِّكَ حُرِّكَ إِلَى الْكَسْرِ. وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ أَهْلِ الْحِجَازِ وَبَعْضُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ: “لَا تُضَارُّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا“، رَفْعٌ. وَمَنْ قَرَأَهُ كَذَلِكَ لَمْ تَحْتَمِلْ قِرَاءَتُهُ مَعْنَى النَّهْيِ، وَلَكِنَّهَا تَكُونُ [عَلَى مَعْنَى] الْخَبَرِ، عَطْفًا بِقَوْلِهِ: “لَا تُضَارُّ “ عَلَى قَوْلِهِ: “لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعهَا“. وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ نَحْوِيِّيِ الْبَصْرَةِ أَنَّ مَعْنَى مَنْ رَفَعَ: “لَا تُضَارُّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا“، هَكَذَا فِي الْحُكْمِ:- أَنَّهُ لَا تُضَارُّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا- أَيْ: مَا يَنْبَغِي أَنْ تُضَارَّ. فَلَمَّا حُذِفَتْ “يَنْبَغِي“، وَصَارَ “تُضَارُّ “ فِي مَوْضِعِهِ، صَارَ عَلَى لَفْظِهِ، وَاسْتُشْهِدَ لِذَلِكَ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ: عَـلَى الْحَـكَمِ الْمَـأْتِيِّ يَوْمًا إِذَا قَضَى *** قَضِيَّتَـهُ، أَنْ لَا يَجُـورَ وَيَقْصِـدُ فَزَعَمَ أَنَّهُ رَفَعَ “يَقْصِدُ “ بِمَعْنَى “يَنْبَغِي“. وَالْمَحْكِيُّ عَنِ الْعَرَبِ سَمَاعًا غَيْرُ الَّذِي قَالَ. وَذَلِكَ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْهُمْ سَمَاعًا: “فَتَصْنَعَ مَاذَا“، إِذَا أَرَادُوا أَنْ يَقُولُوا: “فَتُرِيدُ أَنْ تَصْنَعَ مَاذَا“، فَيَنْصِبُونَهُ بِنِيَّةِ “أَنْ. وَإِذَا لَمْ يَنْوُوا “أَنْ “ وَلَمْ يُرِيدُوهَا، قَالُوا: “فَتُرِيدُ مَاذَا“، فَيَرْفَعُونَ “تُرِيدُ“، لِأَنَّ لَا جَالِبَ لـ “أَنْ “ قَبْلَهُ، كَمَا كَانَ لَهُ جَالِبٌ قَبْلَ “تَصْنَعُ“. فَلَوْ كَانَ مَعْنَى قَوْلِهِ “لَا تُضَارُّ “ إِذَا قُرِئَ رَفْعًا بِمَعْنَى: “يَنْبَغِي أَنْ لَا تُضَارَّ “ أَوْ “مَا يَنْبَغِي أَنْ تُضَارَّ“، ثُمَّ حُذِفَ “يَنْبَغِي “ و “أَنْ“، وَأُقِيمَ “تُضَارُّ “ مَقَامَ “يَنْبَغِي“، لَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يُقْرَأَ- إِذَا قُرِئَ بِذَلِكَ الْمَعْنَى- نَصْبًا لَا رَفْعًا، لِيُعْلَمَ بِنَصْبِهِ الْمَتْرُوكِ قَبْلَهُ الْمَعْنَى الْمُرَادُ، كَمَا فُعِلَ بِقَوْلِهِ: “فَتَصْنَعَ مَاذَا“، وَلَكِنْ مَعْنَى ذَلِكَ مَا قُلْنَا إِذَا رُفِعَ عَلَى الْعَطْفِ عَلَى “تُكَلُّفُ“: لَيْسَتْ تُكَلُّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا، وَلَيْسَتْ تُضَارُّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا. يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ ذَلِكَ فِي دِينِ اللَّهِ وَحُكْمِهِ وَأَخْلَاقِ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ بِالنَّصْبِ، لِأَنَّهُ نَهْيٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ أَبَوَيِ الْمَوْلُودِ عَنْ مُضَارَّةِ صَاحِبِهِ لَهُ، حَرَامٌ عَلَيْهِمَا ذَلِكَ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ. فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ خَبَرًا، لَكَانَ حَرَامًا عَلَيْهِمَا ضِرَارُهُمَا بِهِ كَذَلِكَ. وَبِمَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ-مِنْ أَنَّ ذَلِكَ بِمَعْنَى النَّهْيِ- تَأَوَّلَهُ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا}، لَا تَأْبَى أَنْ تُرْضِعَهُ لِيَشُقَّ ذَلِكَ عَلَى أَبِيهِ، وَلَا يُضَارَّ الْوَالِدُ بِوَلَدِهِ، فَيَمْنَعُ أُمَّهُ أَنْ تُرْضِعَهُ لِيُحْزِنَهَا. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ: {لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ}، قَالَ: نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنِ الضِّرَارِ وَقَدَّمَ فِيهِ، فَنَهَى اللَّهُ أَنْ يُضَارَّ الْوَالِدُ فَيَنْتَزِعُ الْوَلَدَ مِنْ أُمِّهِ، إِذَا كَانَتْ رَاضِيَةً بِمَا كَانَ مُسْتَرْضِعًا بِهِ غَيْرَهَا وَنُهِيَتِ الْوَالِدَةُ أَنْ تَقْذِفَ الْوَلَدَ إِلَى أَبِيهِ ضِرَارً. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: {لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا}، تَرْمِي بِهِ إِلَى أَبِيهِ ضِرَارًا، “وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ“، يَقُولُ: وَلَا الْوَالِدُ، فَيَنْتَزِعُهُ مِنْهَا ضِرَارًا، إِذَا رَضِيَتْ مِنْ أَجْرِ الرَّضَاعِ مَا رَضِيَ بِهِ غَيْرُهَا، فَهِيَ أَحَقُّ بِهِ إِذَا رَضِيَتْ بِذَلِكَ. حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ: {لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا}، قَالَ: ذَلِكَ إِذَا طَلَّقَهَا، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَارَّهَا فَيَنْتَزِعُ الْوَلَدَ مِنْهَا، إِذَا رَضِيَتْ مِنْهُ بِمِثْلِ مَا يَرْضَى بِهِ غَيْرُهَا وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُضَارَّهُ فَتُكَلِّفَهُ مَا لَا يُطِيقُ، إِذَا كَانَ إِنْسَانًا مِسْكِينًا، فَتَقْذِفُ إِلَيْهِ وَلَدَهُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو زُهَيْرٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: {لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا}، لَا تُضَارَّ أُمٌّ بِوَلَدِهَا وَلَا أَبٌ بِوَلَدِهِ. يَقُولُ: لَا تُضَارَّ أَمٌّ بِوَلَدِهَا فَتَقْذِفُهُ إِلَيْهِ إِذَا كَانَ الْأَبُ حَيًّا، أَوْ إِلَى عَصَبَتِهِ إِذَا كَانَ الْأَبُ مَيِّتًا. وَلَا يُضَارَّ الْأَبُ الْمَرْأَةَ إِذَا أَحَبَّتْ أَنْ تُرْضِعَ وَلَدَهَا وَلَا يَنْزِعْهُ. حَدَّثَنِي مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: {لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا}، يَقُولُ: لَا يَنْـزِعِ الرَّجُلُ وَلَدَهُ مِنِ امْرَأَتِهِ فَيُعْطِيهِ غَيْرَهَا بِمِثْلِ الْأَجْرِ الَّذِي تَقْبَلُهُ هِيَ بِهِ وَلَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا، فَتَطْرَحُ الْأُمُّ إِلَيْهِ وَلَدَهُ، تَقُولُ: “لَا أَلِيهِ سَاعَةً “ تُضَيِّعُهُ، وَلَكِنْ عَلَيْهَا مِنَ الْحَقِّ أَنْ تُرْضِعَهُ حَتَّى يَطْلُبَ مُرْضِعًا. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ- وَسُئِلَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} إِلَى {لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ}، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَالْوَالِدَاتُ أَحَقُّ بِرَضَاعِ أَوْلَادِهِنَّ مَا قَبِلْنَ رَضَاعَهُنَّ بِمَا يُعْطَى غَيْرُهُنَّ مِنَ الْأَجْرِ، وَلَيْسَ لِلْوَالِدَةِ أَنْ تُضَارَّ بِوَلَدِهَا فَتَأْبَى رَضَاعَهُ، مُضَارَّةً وَهِيَ تُعْطَى عَلَيْهِ مَا يُعْطَى غَيْرُهَا مِنَ الْأَجْرِ. وَلَيْسَ لِلْمَوْلُودِ لَهُ أَنْ يَنْـزِعَ وَلَدَهُ مِنْ وَالِدَتِهِ مُضَارًّا لَهَا، وَهِيَ تَقْبَلُ مِنَ الْأَجْرِ مَا يُعْطَاهُ غَيْرُهَا. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَامِهْرَانُ، وَحَدَّثَنِي عَلِيٌّ قَالَ: حَدَّثَنَا زَيْدٌ جَمِيعًا، عَنْ سُفْيَانَ فِي قَوْلِهِ: {لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا}، لَا تَرْمِ بِوَلَدِهَا إِلَى الْأَبِ إِذَا فَارَقَهَا، تُضَارُّهُ بِذَلِكَ {وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ}، وَلَا يَنْـزِعُ الْأَبُ مِنْهَا وَلَدَهَا، يُضَارُّهَا بِذَلِكَ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ}، قَالَ: لَا يَنْـزِعُهُ مِنْهَا وَهِيَ تُحِبُّ أَنْ تُرْضِعَهُ فَيُضَارُّهَا، وَلَا تَطْرَحُهُ عَلَيْهِ وَهُوَ لَا يَجِدُ مَنْ تُرْضِعُهُ، وَلَا يَجِدُ مَا يَسْتَرْضِعُهُ بِهِ. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ الْبَاهِلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ فِي قَوْلِهِ: {لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا}، قَالَ: لَا تَدَعَنَّهُ وَرَضَاعَهُ، مِنْ شَنَآنِهَا مُضَارَّةً لِأَبِيهِ، وَلَا يَمْنَعُهَا الَّذِي عِنْدَهُ مُضَارَّةً لَهَا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: “الْوَالِدَةُ “ الَّتِي نَهَى الرَّجُلَ عَنْ مُضَارَّتِهَا: ظِئْرُ الصَّبِيِّ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا هَارُونُ النَّحْوِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ الْخِرِّيتِ، عَنْ عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ: {لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا}، قَالَ: هِيَ الظِّئْرُ. فَمَعْنَى الْكَلَامِ: لَا يُضَارِرْ وَالِدُ مَوْلُودٍ وَالِدَتَهُ بِمَوْلُودِهِ مِنْهَا، وَلَا وَالِدَةُ مَوْلُودٍ وَالِدَهُ بِمَوْلُودِهَا مِنْهُ. ثُمَّ تَرَكَ ذِكْرَ الْفَاعِلِ فِي “يُضَارَّ“، فَقِيلَ: لَا تُضَارَرْ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ، كَمَا يُقَالُ إِذَا نُهِيَ عَنْ إِكْرَامِ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فِيمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، وَلَمْ يُقْصَدْ بِالنَّهْيِ عَنْ إِكْرَامِهِ قَصْدُ شَخْصٍ بِعَيْنِهِ: “لَا يُكْرَمُ عَمْرٌو، وَلَا يُجْلَسُ إِلَى أَخِيهِ“، ثُمَّ تُرِكَ التَّضْعِيفُ فَقِيلَ: “لَا تُضَارَّ “ فَحُرِّكَتِ الرَّاءُ الثَّانِيَةُ الَّتِي كَانَتْ مَجْزُومَةً- لَوْ أُظْهِرَ التَّضْعِيفُ- بِحَرَكَةِ الرَّاءِ الْأُولَى. وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ أَنَّهَا إِنَّمَا حُرِّكَتْ إِلَى الْفَتْحِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، لِأَنَّهُ آخِرُ الْحَرَكَاتِ. وَلَيْسَ لِلَّذِي قَالَ مِنْ ذَلِكَ مَعْنَى. لِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا كَانَ جَائِزًا أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ، لَوْ كَانَ مَعْنَى الْكَلَامِ: لَا تُضَارِرْ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا، وَكَانَ الْمَنْهِيُّ عَنِ الضِّرَارِ هِيَ الْوَالِدَةَ. عَلَى أَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ، لَكَانَ الْكَسْرُ فِي “تُضَارَّ “ أَفْصَحَ مِنَ الْفَتْحِ، وَالْقِرَاءَةُِ بِهِ كَانَتْ أَصْوَبَ مِنَ الْقِرَاءَةِ بِالْفَتْحِ، كَمَا أَنَّ: “مُدَّ بِالثَّوْبِ “ أَفْصَحُ مِنْ “مُدَّ بِهِ“. وَفِي إِجْمَاعِ الْقَرَأَةِ عَلَى قِرَاءَةِ: “لَا تُضَارَّ “ بِالْفَتْحِ دُونَ الْكَسْرِ، دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى إِغْفَالِ مَنْ حَكَيْتُ قَوْلَهُ مَنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةَ فِي ذَلِكَ. فَإِنْ كَانَ قَائِلُ ذَلِكَ قَالَهُ تَوَهُّمًا مِنْهُ أَنَّهُ مَعْنَى ذَلِكَ: لَا تُضَارِرْ وَالِدَةٌ، وَأَنَّ “الْوَالِدَةَ “ مَرْفُوعَةٌ بِفِعْلِهَا، وَأَنَّ “الرَّاءَ “ الْأُولَى حَظُّهَا الْكَسْرُ، فَقَدْ أَغْفَلَ تَأْوِيلَ الْكَلَامِ، وَخَالَفَ قَوْلَ جَمِيعِ مَنْ حَكَيْنَا قَوْلَهُ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ. وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ تَقَدَّمَ إِلَى كُلِّ أَحَدٍ مِنْ أَبَوَيِ الْمَوْلُودِ بِالنَّهْيِ عَنْ ضِرَارِ صَاحِبِهِ بِمَوْلُودِهِمَا لَا أَنَّهُ نَهَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ أَنْ يُضَارَّ الْمَوْلُودُ. وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَنْهَاهُ عَنْ مُضَارَّةِ الصَّبِيِّ، وَالصَّبِيُّ فِي حَالِ مَا هُوَ رَضِيعٌ- غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ ضِرَارٌ لِأَحَدٍ؟ فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ، لَكَانَ التَنْزِيلُ: لَا تُضَرُّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا. وَقَدْ زَعَمَ آخَرُونَ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ أَنَّ الْكَسْرَ فِي “تُضَارَّ “ جَائِزٌ. وَالْكَسْرُ فِي ذَلِكَ عِنْدِي فِي هَذَا الْمَوْضِعِ غَيْرُ جَائِزٍ، لِأَنَّهُ إِذَا كُسِرَ تَغَيَّرَ مَعْنَاهُ عَنْ مَعْنَى: لَا تُضَارَرْ “- الَّذِي هُوَ فِي مَذْهَبِ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ- إِلَى مَعْنَى “تُضَارِرْ“، الَّذِي هُوَ فِي مَذْهَبِ مَا قَدْ سُمِّيَ فَاعِلُهُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَإِذْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ قَدْ نَهَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ أَبَوَيِ الْمَوْلُودِ عَنْ مُضَارَّةِ صَاحِبِهِ بِسَبَبِ وَلَدِهِمَا، فَحَقٌّ عَلَى إِمَامِ الْمُسْلِمِينَ إِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ نَـزْعَ وَلَدِهِ مِنْ أُمِّهِ بَعْدَ بَيْنُونَتِهَا مِنْهُ، وَهِيَ تَحْضُنُهُ وَتَكْفُلُهُ وَتُرْضِعُهُ، بِمَا يَحْضُنُهُ بِهِ غَيْرُهَا وَيَكْفُلُهُ بِهِ وَيُرْضِعُهُ مِنَ الْأُجْرَةِ أَنْ يَأْخُذَ الْوَالِدَ بِتَسْلِيمِ وَلَدِهَا، مَا دَامَ مُحْتَاجًا الصَّبِيُّ، إِلَيْهَا فِي ذَلِكَ بِالْأُجْرَةِ الَّتِي يُعْطَاهَا غَيْرُهَا وَحَقٌّ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ الصَّبِيُّ لَا يَقْبَلُ ثَدْيَ غَيْرِ وَالِدَتِهِ، أَوْ كَانَ الْمَوْلُودُ لَهُ لَا يَجِدُ مَنْ يُرْضِعُ وَلَدَهُ وَإِنْ كَانَ يَقْبَلُ ثَدْيَ غَيْرِ أُمِّهِ، أَوْ كَانَ مُعْدِمًا لَا يَجِدُ مَا يَسْتَأْجِرُ بِهِ مُرْضِعًا، وَلَا يَجِدُ مَا يَتَبَرَّعُ عَلَيْهِ بِرَضَاعِ مَوْلُودِهِ. أَنْ يَأْخُذَ وَالِدَتَهُ الْبَائِنَةَ مِنْ وَالِدِهِ بِرَضَاعِهِ وَحَضَانَتِهِ. لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ إِنْ حَرَّمَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَبَوَيْهِ ضِرَارَ صَاحِبِهِ بِسَبَبِهِ، فَالْإِضْرَارُ بِهِ أَحْرَى أَنْ يَكُونَ مُحَرَّمًا، مَعَ مَا فِي الْإِضْرَارِ بِهِ مِنْ مُضَارَّةِ صَاحِبِهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي “الْوَارِثِ “ الَّذِي عَنَى اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: “وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ“، وَأَيُّ وَارِثٍ هُوَ: وَوَارِثُ مَنْ هُوَ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ وَارِثُ الصَّبِيِّ. وَقَالُوا: مَعْنَى الْآيَةِ: وَعَلَى وَارِثِ الصَّبِيِّ إِذَا كَانَ [أَبُوهُ] مَيِّتًا، مِثْلُ الَّذِي كَانَ عَلَى أَبِيهِ فِي حَيَاتِهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَا: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ}، عَلَى وَارِثِ الْوَلَدِ. حَدَّثَنِي مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنْ السُّدِّيِّ: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ}، عَلَى وَارِثِ الْوَلَدِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: “وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ“، قَالَ: وَعَلَى وَارِثِ الصَّبِيِّ مِثْلُ مَا عَلَى أَبِيهِ. ثُمَّ اخْتَلَفَ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَةِ فِي وَارِثِ الْمَوْلُودِ، الَّذِي أَلْزَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِثْلَ الَّذِي وَصَفَ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُمْ وَارِثُ الصَّبِيِّ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ مِنْ عَصَبَتِهِ، كَائِنًا مَنْ كَانَ، أَخًا كَانَ، أَوْ عَمًّا، أَوِ ابْنَ عَمٍّ، أَوِ ابْنَ أَخٍ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ: أَنَّ عَمْرَو بْنَ شُعَيْبٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ أَخْبَرَهُ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: فِي قَوْلِهِ: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ}، قَالَ: وَقَفَ بَنِي عَمِّ مَنْفُوسٍ كَلَالَةً بِالنَّفَقَةِ عَلَيْهِ، مِثْلَ الْعَاقِلَةِ. حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: أَنَّ الْحَسَنَ كَانَ يَقُولُ: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ}، عَلَى الْعَصَبَةِ. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ وَأَبُو عَاصِمٍ قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: وَقَفَ عُمَرُ بَنِي عَمِّ مَنْفُوسٍ كَلَالَةً بِرَضَاعِهِ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ يُونُسَ: أَنَّ الْحَسَنَ كَانَ يَقُولُ: إِذَا تُوُفِّيَ الرَّجُلُ وَامْرَأَتُهُ حَامِلٌ، فَنَفَقَتُهَا مِنْ نَصِيبِهَا، وَنَفَقَةُ وَلَدِهَا مِنْ نَصِيبِهِ مِنْ مَالِهِ إِنْ كَانَ لَهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَنَفَقَتُهُ عَلَى عَصَبَتِهِ. قَالَ: وَكَانَ يَتَأَوَّلُ قَوْلَهُ: “وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ“، عَلَى الرِّجَالِ. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنُ بْنُ مَهْدِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: عَلَى الْعَصَبَةِ الرِّجَالِ، دُونَ النِّسَاءِ. حَدَّثَنَا أبُو كُرَيْبٍ وَعَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَا حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ: أَتَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُتْبَةَ مَعَ الْيَتِيمِ وَلِيُّهُ، وَمَعَ الْيَتِيمِ مَنْ يَتَكَلَّمُ فِي نَفَقَتِهِ، فَقَالَ لِوَلِيِّ الْيَتِيمِ: لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ لَقَضَيْتُ عَلَيْكَ بِنَفَقَتِهِ، لَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ}. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: أُتِيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُتْبَةَ فِي رَضَاعِ صَبِيٍّ، فَجَعَلَ رَضَاعَهُ فِي مَالِهِ، وَقَالَ لِوَلِيِّهِ: لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ جَعَلْنَا رَضَاعَهُ فِي مَالِكَ، أَلَا تَرَاهُ يَقُولُ: “وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ“؟ حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ}، قَالَ: عَلَى الْوَارِثِ مَا عَلَى الْأَبِ، إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلصَّبِيِّ مَالٌ. وَإِذَا كَانَ لَهُ ابْنُ عَمٍّ أَوْ عَصَبَةٌ تَرِثُهُ، فَعَلَيْهِ النَّفَقَةُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ}، قَالَ: الْوَلِيُّ مَنْ كَانَ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنَفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ- يَعْنِي ابْنَ الْقَاسِمِ- عَنْ عَطَاءٍ وَقَتَادَةَ- فِي يَتِيمٍ لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ، أَيُجْبَرُ أَوْلِيَاؤُهُ عَلَى نَفَقَتِهِ؟ قَالَا: نَعَمْ، يُنْفَقُ عَلَيْهِ حَتَّى يُدْرِكَ. حُدِّثْتُ عَنْ يَعْلَى بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ: إِنْ مَاتَ أَبُو الصَّبِيِّ وَلِلصَّبِيِّ مَالٌ، أُخِذَ رَضَاعُهُ مِنَ الْمَالِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ، أُخِذَ مِنَ الْعَصَبَةِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْعَصَبَةِ مَالٌ، أُجْبِرَتْ عَلَيْهِ أُمُّهُ. وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ: بَلْ ذَلِكَ عَلَى وَارِثِ الْمَوْلُودِ مَنْ كَانَ، مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ}، عَلَى وَارِثِ الْمَوْلُودِ مَا كَانَ عَلَى الْوَالِدِ مِنْ أَجْرِ الرَّضَاعِ، إِذَا كَانَ الْوَلَدُ لَا مَالَ لَهُ، عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ عَلَى قَدْرِ مَا يَرِثُونَ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَغْرَمَ ثَلَاثَةً، كُلُّهُمْ يَرِثُ الصَّبِيَّ، أَجْرَ رَضَاعِهِ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُتْبَةَ جَعَلَ نَفَقَةَ صَبِيٍّ مِنْ مَالِهِ، وَقَالَ لِوَارِثِهِ: أَمَا إِنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ أَخَذْنَاكَ بِنَفَقَتِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقُولُ: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ}. وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ: هُوَ مِنْ وَرَثَتِهِ، مَنْ كَانَ مِنْهُمْ ذَا رَحِمِ مُحَرِّمٍ لِلْمَوْلُودِ، فَأَمَّا مَنْ كَانَ ذَا رَحِمٍ مِنْهُ وَلَيْسَ بِمُحَرَّمٍ، كَابْنِ الْعَمِّ وَالْمَوْلَى وَمَنْ أَشْبَهَهُمَا، فَلَيْسَ مَنْ عَنَاهُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ}. وَالَّذِينَ قَالُوا هَذِهِ الْمَقَالَةَ: أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ. وَقَالَتْ فِرْقَةٌ أُخْرَى: بَلِ الَّذِي عَنَى اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: “وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ“، الْمَوْلُودَ نَفْسَهُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ الْمِصْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو زَرْعَةَ وَهْبُ اللَّهِ بْنُ رَاشِدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ. أَنَّ بَشِيرَ بْنَ نَصْرٍ الْمُزْنِيُّ- وَكَانَ قَاضِيًا قَبْلَ ابْنِ حُجَيْرَةَ فِي زَمَانِ عَبْدِ الْعَزِيزِ- كَانَ يَقُولُ: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ}، قَالَ: الْوَارِثُ هُوَ الصَّبِيُّ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا حَيْوَةُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ}، قَالَ: هُوَ الصَّبِيُّ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ: أَنْ قَبِيصَةَ بْنَ ذُؤَيْبٍ كَانَ يَقُولُ: الْوَارِثُ هُوَ الصَّبِيُّ يَعْنِي قَوْلَهُ: “وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ“. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ}، قَالَ: يَعْنِي بِالْوَارِثِ: الْوَلَدَ الَّذِي يَرْضَعُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَتَأْوِيلُ ذَلِكَ عَلَى مَا تَأَوَّلَهُ هَؤُلَاءِ: وَعَلَى الْوَارِثِ الْمَوْلُودِ، مِثْلُ مَا كَانَ عَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هُوَ الْبَاقِي مِنْ وَالِدَيِّ الْمَوْلُودِ، بَعْدَ وَفَاةِ الْآخِرِ مِنْهُمَا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنَفِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُولُ فِي صَبِيٍّ لَهُ عَمٌّ وَأُمٌّ وَهِيَ تُرْضِعُهُ، قَالَ: يَكُونُ رَضَاعُهُ بَيْنَهُمَا، وَيُرْفَعُ عَنِ الْعَمِّ بِقَدْرِ مَا تَرِثُ الْأُمُّ، لِأَنَّ الْأُمَّ تُجْبَرُ عَلَى النَّفَقَةِ عَلَى وَلَدِهَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {مِثْلُ ذَلِكَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: “مِثْلُ ذَلِكَ“. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَأْوِيلُهُ: وَعَلَى الْوَارِثِ لِلصَّبِيِّ بَعْدَ وَفَاةِ أَبَوَيْهِ، مِثْلُ الَّذِي كَانَ عَلَى وَالِدِهِ مِنْ أَجْرِ رَضَاعِهِ وَنَفَقَتِهِ، إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَوْلُودِ مَالٌ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ فِيقَوْلِهِ: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ}، قَالَ: عَلَى الْوَارِثِ رَضَاعُ الصَّبِيِّ. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أبُو عَوَانَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ}، قَالَ: أَجْرُ الرَّضَاعِ. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ}، قَالَ: الرَّضَاعُ. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أبُو عَوَانَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ: “وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ“، قَالَ: أَجْرُ الرَّضَاعِ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ}، قَالَ: الرَّضَاعُ. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ فِي قَوْلِهِ: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ}، قَالَ: النَّفَقَةُ بِالْمَعْرُوفِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: “وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ“، قَالَ: عَلَى الْوَارِثِ مَا عَلَى الْأَبِ مِنَ الرَّضَاعِ، إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلصَّبِيِّ مَالٌ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: الرَّضَاعُ وَالنَّفَقَةُ. حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: “وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ“، قَالَ: الرَّضَاعُ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: الرَّضَاعُ. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنُ بْنُ مَهْدِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ}، قَالَ: أَجْرُ الرَّضَاعِ. حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أبُو عَوَانَةَ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، وَالشَّعْبِيِّ مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا أبُو كُرَيْبٍ وَعَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ قَالَ: سَمِعْتُ هِشَامً عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: “وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ“، قَالَ: الرَّضَاعُ. حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ هِشَامٍ وَأَشْعَثَ، عَنِ الْحَسَنِ مِثْلَهُ. حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ}، يَقُولُ فِي النَّفَقَةِ عَلَى الْوَارِثِ، إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ}، قَالَ: النَّفَقَةُ بِالْمَعْرُوفِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ}، عَلَى الْوَلِيِّ كَفْلُهُ وَرَضَاعُهُ، إِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَوْلُودِ مَالٌ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَجَّاجُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ}، قَالَ: وَعَلَى الْوَارِثِ مَنْ كَانَ، مِثْلُ مَا وَصَفَ مِنَ الرَّضَاعِ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: مِثْلُ ذَلِكَ فِي الرَّضَاعةِ قَالَ: “وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ“، قَالَ: وَعَلَى الْوَارِثِ أَيْضًا كَفْلُهُ وَرَضَاعُهُ، إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ، وَأَنْ لَا يُضَارَّ أُمَّهُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَجَّاجُ، عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ}، قَالَ: نَفَقَتُهُ حَتَّى يُفْطَمَ، إِنْ كَانَ أَبُوهُ لَمْ يَتْرُكْ لَهُ مَالً. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ}، قَالَ: وَعَلَى وَارِثِ الْوَلَدِ مَا كَانَ عَلَى الْوَالِدِ مِنْ أَجْرِ الرَّضَاعِ، إِذَا كَانَ الْوَلَدُ لَا مَالَ لَهُ. حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنَفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ}، قَالَ: عَلَى وَارِثِ الصَّبِيِّ مِثْلُ مَا عَلَى أَبِيهِ، إِذَا كَانَ قَدْ هَلَكَ أَبُوهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ، فَإِنَّ عَلَى الْوَارِثِ أَجْرُ الرَّضَاعِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ}، قَالَ: إِذَا مَاتَ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ، كَانَ عَلَى الْوَارِثِ رَضَاعُ الصَّبِيِّ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ تَأْوِيلُ ذَلِكَ: وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ: أَنْ لَا يُضَارَّ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنُ بْنُ مَهْدِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ}، قَالَ: أَنْ لَا يُضَارَّ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ فِي قَوْلِهِ: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ}، قَالَ: لَا يُضَارَّ، وَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ}، أَنْ لَا يُضَارَّ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ}، قَالَ: الْوَالِدَاتُ أَحَقُّ بِرَضَاعِ أَوْلَادِهِنَّ مَا قَبِلْنَ رَضَاعَهُنَّ بِمَا يُعْطَى غَيْرُهُنَّ مِنَ الْأَجْرِ. وَلَيْسَ لِوَالِدَةٍ أَنْ تُضَارَّ بِوَلَدِهَا، فَتَأْبَى رَضَاعَهُ مُضَارَّةً، وَهِيَ تُعْطَى عَلَيْهِ مَا يُعْطَى غَيْرُهَا. وَلَيْسَ لِلْمَوْلُودِ لَهُ أَنْ يَنْـزِعَ وَلَدَهُ مِنْ وَالِدَتِهِ ضِرَارًا لَهَا، وَهِيَ تَقْبَلُ مِنَ الْأَجْرِ مَا يُعْطِي غَيْرَهَا “ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ“، مِثْلُ الَّذِي عَلَى الْوَالِدِ فِي ذَلِكَ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَامِهْرَانُ، وَحَدَّثَنَا عَلِيٌّ قَالَ: حَدَّثَنَا زَيْدٌ، عَنْ سُفْيَانَ: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ}، قَالَ: أَنْ لَا يُضَارَّ، وَعَلَيْهِ مِثْلُ مَا عَلَى الْأَبِ مِنَ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ تَأْوِيلُ ذَلِكَ: وَعَلَى وَارِثِ الْمَوْلُودِ، مِثْلُ الَّذِي كَانَ عَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ، مِنْ رِزْقِ وَالِدَتِهِ وَكِسْوَتِهَا بِالْمَعْرُوفِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ}، قَالَ: عَلَى الْوَارِثِ عِنْدَ الْمَوْتِ، مِثْلُ مَا عَلَى الْأَبِ لِلْمُرْضِعِ مِنَ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ قَالَ: وَيَعْنِي بِالْوَارِثِ: الْوَلَدُ الَّذِي يَرْضَعُ: أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ مَالِهِ- إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ- أَجْرُ مَا أَرْضَعَتْهُ أُمُّهُ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَوْلُودِ مَالٌ وَلَا لِعَصَبَتِهِ، فَلَيْسَ لِأُمِّهِ أَجْرٌ، وَتُجْبَرُ عَلَى أَنْ تُرْضِعَ وَلَدَهَا بِغَيْرِ أَجْرٍ. حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ}، قَالَ: عَلَى وَارِثِ الْوَلَدِ، مِثْلُ مَا عَلَى الْوَالِدِ مِنَ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: قَوْلُهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ}؟ قَالَ: مِثْلُ مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ}: أَنْ يَكُونَ الْمَعْنِيُّ بِالْوَارِثِ مَا قَالَهُ قَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ وَالضَّحَّاكُ بْنُ مُزَاحِمٍ; وَمَنْ ذَكَرْنَا قَوْلَهُ آنِفًا: مِنْ أَنَّهُ مَعْنِيٌّ بِالْوَارِثِ: الْمَوْلُودُ وَفِي قَوْلِهِ: “مِثْلُ ذَلِكَ“، أَنْ يَكُونَ مَعْنِيًّا بِهِ: مِثْلُ الَّذِي كَانَ عَلَى وَالِدِهِ مِنْ رِزْقِ وَالِدَتِهِ وَكِسْوَتِهَا بِالْمَعْرُوفِ، إِنْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِ الْحَاجَةِ، وَمَنْ هِيَ ذَاتُ زَمَانَةٍ وَعَاهَةٍ، وَمَنْ لَا احْتِرَافَ فِيهَا، وَلَا زَوْجَ لَهَا تَسْتَغْنِي بِهِ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِ الْغِنَى وَالصِّحَّةِ، فَمِثْلُ الَّذِي كَانَ عَلَى وَالِدِهِ لَهَا مِنْ أَجْرِ رَضَاعِهِ. وَإِنَّمَا قُلْنَا: هَذَا التَّأْوِيلُ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِمَّا عَدَاهُ مِنْ سَائِرِ التَّأْوِيلَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا، لِأَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُقَالَ فِي تَأْوِيلِ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ قَوْلٌ إِلَّا بِحُجَّةٍ وَاضِحَةٍ، عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَّا فِي أَوَّلِ كِتَابِنَا هَذَا. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ قَوْلُهُ: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ}، مُحْتَمَلًا ظَاهِرُهُ: وَعَلَى وَارِثِ الصَّبِيِّ الْمَوْلُودِ مِثْلُ الَّذِي كَانَ عَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ، وَمُحْتَمَلًا: وَعَلَى وَارِثِ الْمَوْلُودِ لَهُ مِثْلُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ مِنْ تَرْكِ ضِرَارِ الْوَالِدَةِ وَمِنْ نَفَقَةِ الْمَوْلُودِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ التَّأْوِيلَاتِ، عَلَى نَحْوِ مَا قَدْ قَدَّمْنَا ذِكْرَهَا وَكَانَ الْجَمِيعُ مِنَ الْحُجَّةِ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مِنْ وَرَثَةِ الْمَوْلُودِ مَنْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ نَفَقَتِهِ وَأَجْرِ رَضَاعِهِ وَصَحَّ بِذَلِكَ مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ سَائِرَ وَرَثَتِهِ، غَيْرَ آبَائِهِ وَأُمَّهَاتِهِ وَأَجْدَادِهِ وَجَدَّاتِهِ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ، فِي حُكْمِهِ، فِي أَنَّهُمْ لَا يَلْزَمُهُمْ لَهُ نَفَقَةٌ وَلَا أَجْرُ رَضَاعٍ، إِذْ كَانَ مَوْلَى النِّعْمَةِ مِنْ وَرَثَتِهِ، وَهُوَ مِمَّنْ لَا يَلْزَمُهُ لَهُ نَفَقَةٌ وَلَا أَجْرُ رَضَاعٍ. فَوَجَبَ بِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ حُكْمَ سَائِرِ وَرَثَتِهِ-غَيْرَ مَنِ اسْتُثْنِيَ- حُكْمُهُ. وَكَانَ إِذَا بَطَلَ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى ذَلِكَ مَا وَصَفْنَا- مِنْ أَنَّهُ مَعْنِيٌّ بِهِ وَرَثَةَ الْمَوْلُودِ- فَبُطُولُ الْقَوْلِ الْآخَرِ وَهُوَ أَنَّهُ مَعْنِيٌّ بِهِ وَرَثَةَ الْمَوْلُودِ لَهُ سِوَى الْمَوْلُودِ أَحْرَى. لِأَنَّ الَّذِي هُوَ أَقْرَبُ بِالْمَوْلُودِ قَرَابَةً مِمَّنْ هُوَ أَبْعَدُ مِنْهُ- إِذَا لَمْ يَصِحَ وُجُوبُ نَفَقَتِهِ وَأَجْرِ رَضَاعِهِ عَلَيْهِ- فَالَّذِي هُوَ أَبْعَدُ مِنْهُ قَرَابَةً، أَحْرَى أَنْ لَا يَصِحَ وُجُوبُ ذَلِكَ عَلَيْهِ. وَأَمَّا الَّذِي قُلْنَا مِنْوُجُوبِ رِزْقِ الْوَالِدَةِ وَكِسْوَتِهَا بِالْمَعْرُوفِ عَلَى وَلَدِهَا-إِذَا كَانَتِ الْوَالِدَةُ بِالصِّفَةِ الَّتِي وَصَفْنَا-عَلَى مِثْلِ الَّذِي كَانَ يَجِبُ لَهَا مِنْ ذَلِكَ عَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ، فَمَا لَا خِلَافَ فِيهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ جَمِيعًا. فَصَحَّ مَا قُلْنَا فِي الْآيَةِ مِنَ التَّأْوِيلِ بِالنَّقْلِ الْمُسْتَفِيضِ وِرَاثَةً عَمَّنْ لَا يَجُوزُ خِلَافُهُ. وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِنَ التَّأْوِيلَاتِ، فَمُتَنَازَعٌ فِيهِ، وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى فَسَادِهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: “فَإِنْ أَرَادَا“، إِنْ أَرَادَ وَالِدُ الْمَوْلُودِ وَوَالِدَتُهُ “فِصَالًا“، يَعْنِي: فِصَالَ وَلَدِهِمَا مِنَ اللَّبَنِ. وَيَعْنِي بـ “الْفِصَالِ“: الْفِطَامَ، وَهُوَ مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: “فَاصَلْتُ فُلَانًا أُفَاصِلُهُ مُفَاصَلَةً وَفِصَالًا“، إِذَا فَارَقَهُ مِنْ خُلْطَةٍ كَانَتْ بَيْنَهُمَا. فَكَذَلِكَ “فِصَالُ الْفَطِيمِ“، إِنَّمَا هُوَ مَنْعُهُ اللَّبَنَ، وَقَطْعُهُ شُرْبَهُ، وَفِرَاقُهُ ثَدْيَ أُمِّهِ إِلَّا الِاغْتِذَاءَ بِالْأَقْوَاتِ الَّتِي يَغْتَذِي بِهَا الْبَالِغُ مِنَ الرِّجَالِ. وَبِمَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ قَوْلَهُ: {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا}، يَقُولُ: إِنْ أَرَادَا أَنْ يَفْطِمَاهُ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا}، فَإِنْ أَرَادَا أَنْ يَفْطِمَاهُ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ وَبَعْدَهُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو زُهَيْرٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا}، قَالَ: الْفِطَامُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ}، فَإِنَّهُ يَعْنِي بِذَلِكَ: عَنْ تَرَاضٍ مِنْ وَالِدَيِّ الْمَوْلُودِ وَتَشَاوُرٍ مِنْهُمَا. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي أَسْقَطَ اللَّهُ الْجُنَاحَ عَنْهُمَا، إِنْ فَطَمَاهُ عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ، وَأَيِّ الْأَوْقَاتِ الَّذِي عَنَاهُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ}. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى بِذَلِكَ، فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا فِي الْحَوْلَيْنِ عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ، فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ}، يَقُولُ: إِذَا أَرَادَا أَنْ يَفْطِمَاهُ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ فَتَرَاضَيَا بِذَلِكَ، فَلْيَفْطِمَاهُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ: إِذَا أَرَادَتِ الْوَالِدَةُ أَنْ تَفْصِلَ وَلَدَهَا قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ، فَكَانَ ذَلِكَ عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ، فَلَا بَأْسَ بِهِ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ}، قَالَ: التَّشَاوُرُ فِيمَا دُونَ الْحَوْلَيْنِ، لَيْسَ لَهَا أَنْ تَفْطِمَهُ إِلَّا أَنْ يَرْضَى، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْطِمَهُ إِلَّا أَنْ تَرْضَى. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: التَّشَاوُرُ مَا دُونَ الْحَوْلَيْنِ، {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ} دُونَ الْحَوْلَيْنِ “فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا“، فَإِنْ لَمْ يَجْتَمِعَا، فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَفْطِمَهُ دُونَ الْحَوْلَيْنِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: التَّشَاوُرُ مَا دُونَ الْحَوْلَيْنِ، لَيْسَ لَهَا حَتَّى يَجْتَمِعَا. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا}، يَفْصِلَانِ وَلَدَهُمَا {عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ}، دُونَ الْحَوْلَيْنِ الْكَامِلَيْنِ “فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا“. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَامِهْرَانُ وَحَدَّثَنِي عَلِيٌّ قَالَ: حَدَّثَنَا زَيْدٌ جَمِيعًا، عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: التَّشَاوُرُ مَا دُونَ الْحَوْلَيْنِ، إِذَا اصْطَلَحَا دُونَ ذَلِكَ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ}. فَإِنْ قَالَتِ الْمَرْأَةُ: “أَنَا أَفْطِمُهُ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ“، وَقَالَ الْأَبُ: “لَا“، فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَفْطِمَهُ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ. وَإِنْ لَمْ تَرْضَ الْأُمُّ، فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، حَتَّى يَجْتَمِعَا. فَإِنِ اجْتَمَعَا قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ فَطَمَاهُ، وَإِذَا اخْتَلَفَا لَمْ يَفْطِمَاهُ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ. وَذَلِكَ قَوْلُهُ: {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا}. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ}، قَالَ: قَبْلَ السَّنَتَيْنِ “فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَ“. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا}، فِي أَيِّ وَقْتٍ أَرَادَا ذَلِكَ، قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ أَرَادَا أَمْ بَعْدَ ذَلِكَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا}، أَنْ يَفْطِمَاهُ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ وَبَعْدَهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ}، فَإِنَّهُ يَعْنِي: عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فِيمَا فِيهِ مَصْلَحَةُ الْمَوْلُودِ لِفَطْمِهِ، كَمَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ}، قَالَ: غَيْرَ مُسِيئَيْنَ فِي ظُلْمِ أَنْفُسِهِمَا وَلَا إِلَى صَبِيِّهِمَا “فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا“. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِالصَّوَابِ تَأْوِيلُ مَنْ قَالَ: “فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا فِي الْحَوْلَيْنِ عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ“، لِأَنَّ تَمَامَ الْحَوْلَيْنِ غَايَةٌ لِتَمَامِ الرَّضَاعِ وَانْقِضَائِهِ، وَلَا تَشَاوُرَ بَعْدَ انْقِضَائِهِ، وَإِنَّمَا التَّشَاوُرُ وَالتَّرَاضِي قَبْلَ انْقِضَاءِ نِهَايَتِهِ. فَإِنْ ظَنَّ ذُو غَفْلَةٍ أَنَّ لِلتَّشَاوُرِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَوْلَيْنِ مَعْنًى صَحِيحًا إِذْ كَانَ مِنَ الصِّبْيَانِ مَنْ تَكُونُ بِهِ عِلَّةٌ يَحْتَاجُ مِنْ أَجْلِهَا إِلَى تَرْكِهِ وَالِاغْتِذَاءِ بِلَبَنِ أُمِّهِ فَإِنَّ ذَلِكَ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَإِنَّمَا هُوَ عِلَاجٌ، كَالْعِلَاجِ بِشُرْبِ بَعْضِ الْأَدْوِيَةِ، لَا رَضَاعٌ. فَأَمَّا الرَّضَاعُ الَّذِي يَكُونُ فِي الْفِصَالِ مِنْهُ قَبْلَ انْقِضَاءِ آخِرِهِ تَرَاضٍ وَتَشَاوُرٌ مِنْ وَالِدَيِّ الطِّفْلِ الَّذِي أَسْقَطَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِفَطْمِهِمَا إِيَّاهُ الْجُنَاحَ عَنْهُمَا، قَبْلَ انْقِضَاءِ آخِرِ مُدَّتِهِ، فَإِنَّمَا حَدُّهُ الْحَدُّ الَّذِي حَدَّهُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعةَ}، عَلَى مَا قَدْ أَتَيْنَا عَلَى الْبَيَانِ عَنْهُ فِيمَا مَضَى قَبْلُ. وَأَمَّا الْجُنَاحُ، فَالْحَرَجُ، كَمَا: حَدَّثَنِي بِهِ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا}، فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِمَ.
|